للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقَدَّرَ جُعِلَ قَدْرًا لِمَا يَخْطُرُ بِخَاطِرِهِ أَنْ يَصِفَ بِهِ الْقُرْآنَ لِيَعْرِضَهُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ مَا يُنْحِلُهُ الْقُرْآنَ مِنْ أَنْوَاعِ كَلَامِ الْبَشَرِ أَوْ مَا يَسِمُ بِهِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ الْمُخَالِفَةِ أَحْوَالُهُمْ لِلْأَحْوَالِ الْمُعْتَادَةِ فِي النَّاسِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ فِي نَفْسِهِ، نَقُولُ: مُحَمَّدٌ مَجْنُونٌ، ثُمَّ يَقُولُ:

الْمَجْنُونُ يُخْنَقُ وَيَتَخَالَجُ وَيُوَسْوَسُ وَلَيْسَ مُحَمَّدٌ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: هُوَ شَاعِرٌ، فَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَقَدْ عَرَفْتُ الشِّعْرَ وَسَمِعْتُ كَلَامَ الشُّعَرَاءِ فَمَا يُشْبِهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَلَامَ الشَّاعِرِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: كَاهِنٌ، فَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: مَا كَلَامُهُ بِزَمْزَمَةِ كَاهِنٍ وَلَا بِسَجْعِهِ، ثُمَّ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: نَقُولُ هُوَ سَاحِرٌ فَإِنَّ السِّحْرَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَذَوِيهِ وَمُحَمَّدٌ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: نَقُولُ إِنَّهُ سَاحِرٌ. فَهَذَا مَعْنَى قَدَّرَ.

وَقَوْلُهُ: فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ فَكَّرَ وقَدَّرَ وَبَيْنَ ثُمَّ نَظَرَ وَهُوَ إِنْشَاءُ شَتْمٍ مُفَرَّعٍ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ لِأَنَّ الَّذِي ذُكِرَ يُوجِبُ الْغَضَبَ عَلَيْهِ.

فَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ ذمه عَن سيّىء فِعْلِهِ وَمِثْلُهُ فِي الِاعْتِرَاضِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ [النَّحْل: ٤٣، ٤٤] .

وَالتَّفْرِيعُ لَا يُنَافِي الِاعْتِرَاضَ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ وَضْعُ الْكَلَامِ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا تَأَلَّفَ مِنْهُ الْكَلَامُ الْمُعْتَرِضُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى مَا يَتَطَلَّبُهُ مَعْنَاهُ. وَالدَّاعِي إِلَى الِاعْتِرَاضِ هُوَ التَّعْجِيلُ بِفَائِدَةِ الْكَلَامِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَا. وَمَنْ زَعَمُوا أَنَّ الِاعْتِرَاضَ لَا يَكُونُ

بِالْفَاءِ فَقَدْ تَوَهَّمُوا.

وقُتِلَ: دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقْتُلَهُ قَاتِلٌ، أَيْ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ مَوْتِهِ لِأَنَّ حَيَاتَهُ حَيَاةٌ سَيِّئَةٌ. وَهَذَا الدُّعَاءُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ مَالِهِ وَالرِّثَاءِ لَهُ كَقَوْلِهِ: قاتَلَهُمُ اللَّهُ [التَّوْبَة:

٣٠] وَقَوْلُهُمْ: عَدِمْتُكَ، وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مِثْلُهُ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حُسْنِ الْحَالِ يُقَالُ:

قَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ. وَجَعَلَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ كِنَايَةً عَنْ كَوْنِهِ بَلَغَ مَبْلَغًا يَحْسُدُهُ عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ حَتَّى يَتَمَنَّى لَهُ الْمَوْتَ. وَأَنَا أَحْسَبُ أَنَّ مَعْنَى الْحَسَدِ غَيْرُ مَلْحُوظٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُجَرَّدُ اقْتِصَارٍ عَلَى مَا فِي تِلْكَ الْكَلِمَةِ مِنَ التَّعَجُّبِ أَوِ التَّعْجِيبِ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي ذَلِكَ كَالْأَمْثَالِ. وَالْمَقَامُ هُنَا مُتَعَيِّنٌ لِلْكِنَايَةِ عَنْ سُوءِ حَالِهِ لِأَنَّ مَا