وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا من جملَة سأرهق صعورا (١) . وَالْإِصْلَاءُ: جَعْلُ الشَّيْءِ صَالِيًا، أَيْ مُبَاشِرًا حَرَّ النَّارِ. وَفِعْلُ صَلِيَ يُطْلَقُ عَلَى إِحْسَاسِ حَرَارَةِ النَّارِ، فَيكون لأجل التدفّي كَقَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ حِلِّزَةَ:
فَتَنَوَّرْتَ نَارَهَا مِنْ بَعِيدٍ ... بِخَزَازَى أَيَّانَ مِنْكَ الصِّلَاءُ
أَيْ أَنْتَ بعيد من التدفي بِهَا وَكَمَا قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ:
لَا تَصْطَلِي النَّارَ إِلَّا مِجْمَرًا أَرِجَا ... قَدْ كَسَّرْتَ مِنْ يَلَنْجُوجٍ لَهُ وَقَصَا
وَيُطْلَقُ عَلَى الِاحْتِرَاقِ بِالنَّارِ قَالَ تَعَالَى: سَيَصْلى نَارًا ذاتَ لَهَبٍ فِي سُورَةِ أَبِي لَهَبٍ [٣] وَقَالَ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى فِي سُورَةِ اللَّيْلِ [١٤، ١٥] ، وَقَالَ: وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١٠] ، وَالْأَكْثَرُ إِذَا ذُكِرَ لِفِعْلِ هَذِهِ الْمَادَّةِ مَفْعُولٌ ثَانٍ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى الْإِحْرَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٣٠] . وَمِنْهُ قَوْلُهُ هُنَا سَأُصْلِيهِ سَقَرَ.
وَسَقَرُ: عَلَمٌ لِطَبَقَةٍ مِنْ جَهَنَّمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ الطَّبَقُ السَّادِسُ مِنْ جَهَنَّمَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: سَقَرُ هُوَ الدَّرْكُ السَّادِسُ مِنْ جَهَنَّمَ عَلَى مَا رُوِيَ اهـ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عَطِيَّةَ.
وَجَرَى كَلَامُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ سَقَرَ بِمَا يُرَادِفُ جَهَنَّمَ.
وَسَقَرُ مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ اسْمُ بُقْعَةٍ مِنْ جَهَنَّمَ أَوِ اسْمُ جَهَنَّمَ وَقَدْ جَرَى ضَمِيرُ سَقَرَ عَلَى التَّأْنِيثِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُبْقِي إِلَى قَوْلِهِ: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ. وَقِيلَ سَقَرُ مُعَرَّبٌ نَقَلَهُ فِي «الْإِتْقَانِ» عَنِ الْجَوَالِيقِيِّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَلِمَةَ الْمُعَرَّبَةَ وَلَا مِنْ أَيَّةِ لُغَةٍ هُوَ.
وَمَا أَدْراكَ مَا سَقَرُ جُمْلَةٌ حَالِيَةٌ مِنْ سَقَرَ، أَيْ سَقَرُ الَّتِي حَالُهَا لَا ينبئك بِهِ منبىء وَهَذَا تَهْوِيلٌ لِحَالِهَا.
وَمَا سَقَرُ فِي مَحَلِّ مُبْتَدَأٍ وَأَصْلُهُ سَقَرُ مَا، أَيْ مَا هِيَ، فَقَدَّمَ مَا لِأَنَّهُ اسْمُ اسْتِفْهَامٍ وَلَهُ الصَّدَارَةُ.
فَإِنَّ مَا الْأُولَى اسْتِفْهَامِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى: أَيُّ شَيْءٍ يُدْرِيكَ، أَيْ يُعْلِمُكَ.
(١) فِي المطبوعة: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ والمثبت من «الْكَشَّاف» (٤/ ١٨٣) ط. دَار الْفِكر.