للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ التَّفَاعُلِ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَى تَكْرِيرِ الْفِعْلِ أَيْ يَكْثُرُ سُؤَالُ كُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ سُؤَالًا مُتَكَرِّرًا أَوْ هُوَ من تعدد السُّؤَال لأجل تعدد السَّائِلِينَ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ [١] «هُوَ كَقَوْلِكَ تَدَاعَيْنَا» . وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ هُنَا: «إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مُفْرَدًا يُقَالُ: دَعَوْتُ، وَإِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ مُتَعَدِّدًا يُقَالُ: تَدَاعَيْنَا، وَنَظِيرُهُ، رَمَيْتُهُ وَتَرَامَيْنَاهُ وَرَأَيْتُ الْهِلَالَ وَتَرَاءَيْنَاهُ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَفَاعُلًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ» اهـ. ذَكَرَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ النِّسَاءِ، أَيْ هُوَ فِعْلٌ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ ذِي عَدَدٍ كَثِيرٍ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَفْعُولُ يَتَساءَلُونَ مَحْذُوفًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَنِ الْمُجْرِمِينَ.

وَالتَّقْدِيرُ: يَتَسَاءَلُونَ الْمُجْرِمِينَ عَنْهُمْ، أَيْ عَنْ سَبَبِ حُصُولِهِمْ فِي سَقَرَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ بَيَانُ جُمْلَةِ يَتَساءَلُونَ بِجُمْلَةِ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، فَإِنَّ مَا سَلَكَكُمْ فِي بَيَانٍ لِلتَّسَاؤُلِ.

وَأَصْلُ معنى سلكه أدخلهُ بَين أَجْزَاءِ شَيْءٍ حَقِيقَةً وَمِنْهُ جَاءَ سِلْكُ الْعِقْدِ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلزَّجِّ بِهِمْ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [١٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ وَفِي قَوْله: يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً فِي سُورَةِ الْجِنِّ [١٧] . وَالْمَعْنَى: مَا زُجَّ بِكُمْ فِي سَقَرَ.

فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي أَصْلِ مَعْنَاهُ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَى السُّؤَالِ:

إِمَّا نِسْيَانُ الَّذِي كَانُوا عَلِمُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَسْبَابِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فَيَبْقَى عُمُومُ يَتَساءَلُونَ الرَّاجِعُ إِلَى أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَعُمُومُ الْمُجْرِمِينَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ يُشْرِفُ عَلَى الْمُجْرِمِينَ مِنْ أَعَالِي الْجَنَّةِ فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ سَبَبِ وُلُوجِهِمُ النَّارَ فَيَحْصُلُ جَوَابُهُمْ وَذَلِكَ إِلْهَامٌ مِنَ اللَّهِ لِيَحْمَدَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ أَسْبَابِ نَجَاتِهِمْ مِمَّا أَصَابَ الْمُجْرِمِينَ وَيَفْرَحُوا بِذَلِكَ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا مُوَجَّهًا مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ إِلَى نَاسٍ كَانُوا يَظُنُّونَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَرَأَوْهُمْ فِي النَّارِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ مَوْتِ أَصْحَابِهِمْ، فَيكون المُرَاد بِأَصْحَابِهِ الْيَمِينِ بَعْضَهُمْ وَبِالْمُجْرِمِينَ بَعْضَهُمْ وَهَذَا مِثْلُ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ الْآيَاتِ