للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِي مُسْتَنْفِرَةٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ مِثْلُ: اسْتَكْمَلَ وَاسْتَجَابَ وَاسْتَعْجَبَ وَاسْتَسْخَرَ وَاسْتَخْرَجَ وَاسْتَنْبَطَ، أَيْ نَافِرَةٌ نِفَارًا قَوِيًّا فَهِيَ تَعْدُو بِأَقْصَى سُرْعَةِ الْعَدْوِ.

وَقَرَأَ نَافِعُ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ مُسْتَنْفِرَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ، أَيِ اسْتَنْفَرَهَا مُسْتَنْفِرٌ، أَيْ أَنْفَرَهَا، فَهُوَ مِنِ اسْتَنْفَرَهُ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى أَنْفَرَهُ. وَبِنَاءُ الْفِعْلِ لِلنَّائِبِ يُفِيدُ الْإِجْمَالَ ثُمَّ التَّفْصِيلَ بِقَوْلِهِ: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ.

وَقَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ الْفَاءِ، أَيِ اسْتَنْفَرَتْ هِيَ مِثْلَ: اسْتَجَابَ، فَيَكُونُ جُمْلَةُ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ بَيَانًا لِسَبَبِ نُفُورِهَا.

وَفِي «تَفْسِيرِ الْفَخْرِ» عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ: سَأَلْتُ أَبَا سَوَّارٍ الْغَنَوِيَّ وَكَانَ أَعْرَابِيًّا فَصِيحًا فَقُلْتُ: كَأَنَّهُمْ حُمُرُ مَاذَا فَقَالَ: مُسْتَنْفَرَةٌ: بِفَتْحِ الْفَاءِ فَقُلْتُ لَهُ:

إِنَّمَا هُوَ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ. فَقَالَ: أَفَرَّتْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمُسْتَنْفِرَةٌ إِذَنْ فَكَسَرَ الْفَاءَ.

وقَسْوَرَةٍ قِيلَ هُوَ اسْمُ جَمْعِ قَسْوَرَ وَهُوَ الرَّامِي، أَوْ هُوَ جَمْعٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إِذْ لَيْسَ قِيَاسُ فَعْلَلَ أَنْ يُجْمَعَ عَلَى فَعْلَلَةٍ. وَهَذَا تَأْوِيلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ جَارِيًا عَلَى مُرَاعَاةِ الْحَالَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.

وَقِيلَ: الْقَسْوَرَةُ مُفْرَدٌ، وَهُوَ الْأَسَدُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ الْأَسَدُ بِالْحَبَشِيَّةِ، فَيَكُونُ اخْتِلَافُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ اخْتِلَافًا لَفْظِيًّا، وَعَنْهُ: أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قَسْوَرُ اسْمَ الْأَسَدِ، فَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَصْلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَدْ عَدَّهُ ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ لُغَةِ الْعَرَبِ فِي أَبْيَاتٍ ذَكَرَ فِيهَا ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الْقَسْوَرُ الْأَسَدُ وَالْقَسْوَرَةُ كَذَلِكَ، أَنَّثُوهُ كَمَا قَالُوا: أُسَامَةُ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ تَشْبِيهٌ مُبْتَكَرٌ لِحَالَةِ إِعْرَاض مخلوط برغب مِمَّا تَضَمَّنَتْهُ قَوَارِعُ الْقُرْآنِ فَاجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ تَمْثِيلَانِ.

وَإِيثَارُ لَفْظِ قَسْوَرَةٍ هُنَا لِصَلَاحِيَتِهِ لِلتَّشْبِيهَيْنِ مَعَ الرِّعَايَةِ على الفاصلة.