وَخُسُوفُ الْقَمَرِ أُرِيدَ بِهِ انْطِمَاسُ نُورِهِ انْطِمَاسًا مُسْتَمِرًّا بِسَبَبِ تَزَلْزُلِهِ مِنْ مَدَارِهِ حَوْلَ الْأَرْضِ الدَّائِرَةِ حَوْلَ الشَّمْسِ بِحَيْثُ لَا يَنْعَكِسُ عَلَيْهِ نُورُهَا وَلَا يَلُوحُ لِلنَّاسِ نَيِّرًا، وَهُوَ مَا
دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَهَذَا خُسُوف لَيْسَ هُوَ خسوفه الْمُعْتَاد عِنْد مَا تَحُولُ الْأَرْضُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَبَيْنَ مُسَامَتَتِهِ الشَّمْسَ.
وَمَعْنَى جَمْعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: الْتِصَاقُ الْقَمَرِ بِالشَّمْسِ فَتَلْتَهِمُهُ الشَّمْسُ لِأَنَّ الْقَمَرَ مُنْفَصِلٌ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَجْرَامِ الدَّائِرَةِ حَوْلَ الشَّمْسِ كَالْكَوَاكِبِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَبَبِ اخْتِلَالِ الْجَاذِبِيَّةِ الَّتِي وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا النظام الشمسي.
وفَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ يَقُولُ الْإِنْسانُ، وَإِنَّمَا قُدِمَ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالظَّرْفِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ سِيَاقِ مجاوبة قَوْله: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ [الْقِيَامَةِ: ٦] .
وَطُوِيَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ ذَلِكَ حُلُولُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَيْنَ الْمَفَرُّ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: حَلَّ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَحَضَرَتْ أَهْوَالُهُ يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ تَأَكَّدَ بِقَوْلِهِ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ.
ويَوْمَئِذٍ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ يَقُولُ أَيْضًا، أَيْ يَوْمَ إِذْ يَبْرُقُ الْبَصَرُ وَيَخْسِفُ الْقَمَرُ وَيُجْمَعُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَتَنْوِينُ (إِذْ) تَنْوِينُ عِوَضٍ عَنِ الْجُمْلَةِ الْمَحْذُوفَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا الْجُمْلَةُ الَّتِي أُضِيفَ إِلَيْهَا (إِذْ) .
وَذُكِرَ يَوْمَئِذٍ مَعَ أَن قَوْله: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ إِلَخْ مُغْنٍ عَنْهُ لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانُوا يُنْكِرُونَ وُقُوعَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ فَيَسْأَلُونَ عَنْ وَقْتِهِ، وَلِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ حُصُولَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
والْإِنْسانُ: هُوَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ [الْقِيَامَة: ٣] ، أَيْ يَقُولُ الْإِنْسَانُ الْكَافِرُ يَوْمئِذٍ: أَي الْمَفَرُّ.
والْمَفَرُّ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مَصْدَرٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمَنِّي، أَيْ لَيْتَ لِي فِرَارًا فِي مَكَانِ نَجَاةٍ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُهُ.
وأَيْنَ ظَرْفُ مَكَانٍ.
وكَلَّا رَدْعٌ وَإِبْطَالٌ لِمَا تَضَمَّنَهُ أَيْنَ الْمَفَرُّ مِنَ الطَّمَعِ فِي أَنْ يَجِدَ لِلْفِرَارِ سَبِيلًا.