للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَحُذِفَ مَفْعُولُ كَذَّبَ لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا كَذَّبَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: كَذَّبَ الرَّسُولَ وَالْقُرْآنَ وَبِالْبَعْثِ، وَتَوَلَّى عَنِ الِاسْتِجَابَةِ لِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفَاءُ تَفْرِيعًا وَعَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ [الْقِيَامَة:

٣٠] ، أَيْ فَقَدْ فَارَقَ الْحَيَاةَ وَسِيقَ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ خَالِيًا مِنَ الْعُدَّةِ لِذَلِكَ اللِّقَاءِ.

وَفِي الْكَلَامِ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ تَقْدِيرُهُ: فَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ خَسِرَ وَتَنَدَّمَ عَلَى مَا أَضَاعَهُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي [الْفجْر: ٢١- ٢٤] .

وَفِعْلُ صَدَّقَ مُشْتَقٌّ مِنَ التَّصْدِيقِ، أَيْ تَصْدِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: وَلكِنْ كَذَّبَ.

وَالْمعْنَى: فَلَا ءامن بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فَسَّرَ صَدَّقَ بِمَعْنَى أَعْطَى الصَّدَقَةَ، وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ التَّصْرِيفِ إِذْ حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ: تَصَدَّقَ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَاعِدُ الِاسْتِدْرَاكَ فِي قَوْلِهِ: وَلكِنْ كَذَّبَ.

وَعُطِفَ وَلا صَلَّى على نفس التَّصْدِيقِ تَشْوِيهًا لَهُ بِأَنَّ حَالَهُ مُبَائِنُ لِأَحْوَالِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَالْمَعْنَى: فَلَمْ يُؤْمِنْ وَلَمْ يُسْلِمْ.

وَلَا نَافِيَةٌ دَخَلَتْ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي وَالْأَكْثَرُ فِي دُخُولِهَا عَلَى الْمَاضِي أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهَا نَفْيٌ آخَرُ وَذَلِكَ حِينَ يَقْصِدُ الْمُتَكَلِّمُ أَمْرَيْنِ مِثْلَ مَا هُنَا وَقَوْلِ زُهَيْرٍ:

فَلَا هُوَ أَخْفَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْكِسَائِيِّ « (لَا) بِمَعْنَى (لَمْ) وَلَكِنَّهُ يُقْرَنُ بِغَيْرِهِ يَقُولُ الْعَرَبُ: لَا عَبْدُ اللَّهِ خَارِجٌ وَلَا فُلَانٌ، وَلَا يَقُولُونَ: مَرَّرْتُ بِرَجُلٍ لَا مُحْسِنٍ حَتَّى يُقَالَ: وَلَا مُجْمِلٍ» اهـ فَإِذَا لَمْ يُعْطَفْ عَلَيْهِ نَفْيٌ آخَرُ فَلَا يُؤْتَى بَعْدَهَا بِفِعْلِ مُضِيٍّ إِلَّا فِي إِرَادَةِ الدُّعَاءِ نَحْوَ: «لَا فُضَّ فُوكَ» وَشَذَّ مَا خَالَفَ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [الْبَلَد: ١١] فَإِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ تَكْرِيرِ النَّفْيِ لِأَنَّ مَفْعُولَ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ بِحَرْفِ لَا وَهُوَ الْعَقَبَةُ يَتَضَمَّنُ عِدَّةَ أَشْيَاءَ مَنْفِيَّةً بَيَّنَهَا قَوْلُهُ: وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ