فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ لِهَذِهِ السُّورَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ هِيَ مَكِّيَّةٌ، وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ، وَقِيلَ بَعْضُهَا مَكِّيٌّ وَبَعْضُهَا مَدَنِيٌّ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلٍ: هِيَ مَكِّيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ رَتَّبَهَا فِي مُصْحَفِهِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا. وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ مُعْظَمُ التَّفَاسِيرِ وَنَسَبَهُ الْخَفَاجِيُّ إِلَى الْجُمْهُورِ.
وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَحُكِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَيْضًا. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا قَوْلَهُ: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الْإِنْسَان: ٢٤] إِلَى آخِرِهَا، أَوْ قَوْلَهُ: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ [الْإِنْسَان: ٢٤]
إِلَخْ. وَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ مِنْ أَيَّةِ سُورَةٍ كَانَتْ تُعَدُّ فِي مَكَّةَ إِلَى أَنْ نَزَلَتْ سُورَةُ الْإِنْسَانِ بِالْمَدِينَةِ وَهَذَا غَرِيبٌ. وَلَمْ يُعَيِّنُوا أَنَّهُ فِي أَيَّةِ سُورَةٍ كَانَ مَقْرُوءًا.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ فَإِنَّ أُسْلُوبَهَا وَمَعَانِيَهَا جَارِيَةٌ عَلَى سُنَنِ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَلَا أَحْسَبُ الْبَاعِثَ عَلَى عَدِّهَا فِي الْمَدَنِيِّ إِلَّا مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ آيَةَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ [الْإِنْسَان:
٨] نَزَلَتْ فِي إِطْعَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِالْمَدِينَةِ مِسْكِينًا لَيْلَةً، وَيَتِيمًا أُخْرَى، وَأَسِيرًا أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ أَسْرَى بِمَكَّةَ حَمْلًا لِلَفْظِ أَسِيرٍ عَلَى مَعْنَى أَسِيرِ الْحَرْبِ، أَوْ مَا رُوِيَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي أَبِي الدَّحْدَاحِ وَهُوَ أَنْصَارِيُّ، وَكَثِيرًا مَا حَمَلُوا نُزُولَ الْآيَةِ عَلَى مُثُلٍ تَنْطَبِقُ عَلَيْهَا مَعَانِيهَا فَعَبَّرُوا عَنْهَا بِأَسْبَابِ نُزُولٍ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْخَامِسَةِ.
وَعَدَّهَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ الثَّامِنَةَ وَالتِسْعِينَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ. وَقَالَ: نَزَلَتْ بعد سُورَة الرحمان وَقَبْلَ سُورَةِ الطَّلَاقِ. وَهَذَا جَرْيٌ عَلَى مَا رَآهُ أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ.
فَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ أَخْذًا بِتَرْتِيبِ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَتَكُونُ الثَلَاثِينَ أَوِ الْحَادِيَةَ وَالثَلَاثِينَ وَجَدِيرَةً بِأَنْ تُعَدَّ قَبْلَ سُورَةِ الْقِيَامَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي تَرْتِيبِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ مِنْ «سُنَنِهِ» عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ وَعَدَّ سُوَرًا فَقَالَ: وهَلْ أَتى وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فِي رَكْعَةٍ»
. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا تَأْلِيفُ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَيْ تَأْلِيفُ مُصْحَفِهِ) :
وَاتَّفَقَ الْعَادُّونَ عَلَى عَدِّ آيَهَا إِحْدَى وَثَلَاثِينَ.