النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا»
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٣١] عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً.
والْأَرائِكِ: جَمْعُ أَرِيكَةٍ بِوَزْنِ سَفِينَةٍ. وَالْأَرِيكَةُ: سَرِيرٌ عَلَيْهِ وِسَادَةٌ مَعَهَا سِتْرٌ وَهُوَ حَجَلَتُهُ، وَالْحَجَلَةُ بِفَتْحَتَيْنِ وَبِتَقْدِيمِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْجِيمِ: كِلَّةٌ تُنْصَبُ فَوْقَ السَّرِيرِ لِتَقِيَ
الْحَرَّ وَالشَّمْسَ، وَلَا يُسَمَّى السَّرِيرُ أَرِيكَةً إِلَّا إِذَا كَانَ مَعَهُ حَجَلَةٌ.
وَقِيلَ: كُلُّ مَا يُتَوَسَّدُ وَيُفْتَرَشُ مِمَّا لَهُ حَشْوٌ يُسَمَّى أَرِيكَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَجَلَةٌ، وَفِي «الْإِتْقَانِ» عَنِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: أَنَّ الْأَرِيكَةَ السَّرِيرُ بِالْحَبَشِيَّةِ فَزَادَهُ السُّيُوطِيُّ عَلَى أَبْيَاتِ ابْنِ السُّبْكِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ فِي «جَمْعِ الْمُعْرِبِ فِي الْقُرْآنِ» .
وَجُمْلَةُ: لَا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً حَالٌ ثَانِيَةٌ مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ فِي جَزاهُمْ أَوْ صِفَةُ جَنَّةً.
وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ: حَرُّ أَشِعَّتِهَا، فَنَفَى رُؤْيَةَ الشَّمْسِ فِي قَوْلِهِ: لَا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً فَيَكُونُ نَفْيُ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ كِنَايَةً عَنْ نَفْيِ وُجُودِ الشَّمْسِ الَّذِي يَلْزَمُهُ انْتِفَاءُ حَرِّ شُعَاعِهَا فَهُوَ مِنَ الْكِنَايَةِ التَّلْوِيحِيةِ كَقَوْلِهِ:
وَلَا تَرَى الضَّبَّ بِهَا يَنْجَحِرُ أَيْ لَا ضَبَّ بِهَا فَتَرَاهُ وَلَا يَكُونُ انْجِحَارُهُ.
وَالزَّمْهَرِيرُ: اسْمٌ لِلْبَرْدِ الْقَوِيِّ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ، وَالزَّمْهَرِيرُ: اسْمُ الْبَرْدِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَوَاءَ الْجَنَّةِ مُعْتَدِلٌ لَا أَلَمَ فِيهِ بِحَالٍ. وَفِي كَلَامِ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَاءِ حَدِيثِ أَمِ زَرْعٍ «زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَهْ، لَا حَرَّ وَلَا قَرَّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَهْ» .
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الزَّمْهَرِيرُ اسْمُ الْقَمَرِ فِي لُغَةِ طَيِّءٍ، وَأَنْشَدَ:
وَلَيْلَةٍ ظَلَامُهَا قَدِ اعْتَكَرْ ... قَطَعْتُهَا وَالزَّمْهَرِيرُ مَا زَهَرْ
وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِي الْجَنَّةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَلَا ضَوْءَ الْقَمَرِ، أَيْ ضَوْءَ النَّهَارِ وَضَوْءَ اللَّيْلِ لِأَنَّ ضِيَاءَ الْجَنَّةِ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ خَاصٍّ بِهَا. وَهَذَا مَعْنًى آخَرُ غَيْرُ نَفْيِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالشَّمْسِ حَقِيقَتُهَا وَبِالزَّمْهَرِيرِ الْبَرْدُ وَإِنَّ فِي الْكَلَامِ