وَقَوْلُهُ: بُكْرَةً وَأَصِيلًا يَشْمَلُ أَوْقَاتَ النَّهَارِ كلهَا الْمَحْدُود مِنْهَا كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرَ الْمَحْدُودِ كَأَوْقَاتِ النَّوَافِلِ، وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
وبُكْرَةً هِيَ أَوَّلُ النَّهَارِ، وَأَصِيلًا عَشِيًّا.
وَقَوْلُهُ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّيْلَ وَقْتُ تَفَرُّغٍ مِنْ بَثِّ الدَّعْوَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إِلَى قَوْلِهِ: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ الْآيَة [المزمل: ٢- ٢٠] وَهَذَا خَاصٌّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ فَرْضًا وَنَفْلًا.
وَقَوْلُهُ: وَسَبِّحْهُ جُمْلَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ التَّسْبِيحَ التَّنَفُّلُ.
وَالتَّسْبِيحُ: التَّنْزِيهُ بِالْقَوْلِ وَبِالِاعْتِقَادِ، وَيَشْمَلُ الصَّلَوَاتَ وَالْأَقْوَالَ الطَّيِّبَةَ وَالتَّدَبُّرَ فِي دَلَائِلِ صِفَاتِ اللَّهِ وَكَمَالَاتِهِ، وَغَلَبَ إِطْلَاقُ مَادَّةِ التَّسْبِيحِ عَلَى الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ، وَقَالَ تَعَالَى:
وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ [الطّور: ٤٨] ، أَيْ مِنَ اللَّيْلِ. وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ:
وسَبِّحْهُ هُنَا صَلَاةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ، وَقَوْلُهُ طَوِيلًا صِفَةُ لَيْلًا وَحَيْثُ وَصَفَ اللَّيْلَ بِالطُّولِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ فِيهِ، عُلِمَ أَنَّ لَيْلًا أُرِيدَ بِهِ أَزْمَانُ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ مَجْمُوعُ الْوَقْتِ الْمُقَابِلِ لِلنَّهَارِ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَصْفِهِ بِالطُّولِ جَدْوَى، فَتَعَيَّنَ أَنَّ وَصْفَ الطُّولِ تَقْيِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالتَّسْبِيحِ، أَيْ سَبِّحْهُ أَكْثَرَ اللَّيْلِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إِلَى أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [الْإِنْسَان: ٢، ٤] أَوْ يَتَنَازَعُهُ كُلٌّ مِنِ (اسْجُدْ) وسَبِّحْهُ.
وَانْتَصَبَ لَيْلًا عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِ سَبِّحْهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ زَيْدٍ: أَنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَوْقَاتِهَا
بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصِيلَ يُطْلَقُ عَلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: وَسَبِّحْهُ إِشَارَةً إِلَى قِيَامِ اللَّيْلِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ جَاءَتْ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الْحجر: ٩٧، ٩٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا وَاصْبِرْ عَلى مَا يَقُولُونَ [المزمّل: ٨- ١٠] .