وَالْأَنْبِيَاءِ مِثْلَ جِبْرِيلَ فِي إِرْسَالِهِ بِالْوَحْيِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ إِلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ بِتَعْلِيمٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ نَصْرٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ زَكَرِيَّاءَ: فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ الْآيَة [آل عمرَان: ٣٩] ، أَوِ الْمُرْسَلاتِ بِتَنْفِيذِ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْعَذَابِ مِثْلَ الْمُرْسَلِينَ إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وعُرْفاً حَالٌ مُفِيدَةٌ مَعْنَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ مِثْلَ عُرْفِ الْفَرَسِ فِي تتَابع الشّعير بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، يُقَالُ: هُمْ كَعُرْفِ الضَّبْعِ، إِذَا تَأَلَّبُوا، وَيُقَالُ: جَاءُوا عُرْفًا وَاحِدًا. وَهُوَ صَالِحٌ لِوَصْفِ الْمَلَائِكَةِ وَلِوَصْفِ الرِّيحِ.
وَفُسِّرَ عُرْفاً بِأَنَّهُ اسْمٌ، أَيِ الشَّعَرُ الَّذِي عَلَى رَقَبَةِ الْفَرَسِ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ كَالْعُرْفِ فِي تَتَابُعِ الْبَعْضِ لِبَعْضٍ، وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ مَعْرُوفٌ (ضِدُّ الْمُنْكَرِ) ، وَأَنَّ نَصْبَهُ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، أَيْ لِأَجْلِ الْإِرْشَادِ وَالصَّلَاحِ.
فَالْعاصِفاتِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمُرْسَلاتِ، أَيْ تُرْسَلُ فَتَعْصِفُ، وَالْعَصْفُ يُطْلَقُ عَلَى قُوَّةِ هُبُوبِ الرِّيحِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُرْسَلَاتِ وَصْفُ الرِّيَاحِ فَالْعَصْفُ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُرْسَلَاتِ وَصْفُ الْمَلَائِكَةِ فَالْعَصْفُ تَشْبِيهٌ لِنُزُولِهِمْ فِي السُّرْعَةِ بِشِدَّةِ الرِّيحِ وَذَلِكَ فِي الْمُبَادَرَةِ فِي سُرْعَةِ الْوُصُولِ بِتَنْفِيذِ مَا أُمِرُوا بِهِ.
وعَصْفاً مُؤَكِّدٌ لِلْوَصْفِ تَأْكِيدًا لِتَحْقِيقِ الْوَصْفِ، إِذْ لَا دَاعِيَ لِإِرَادَةِ رَفْعِ احْتِمَالِ الْمَجَازِ.
وَالنَّشْرُ: حَقِيقَتُهُ ضِدُّ الطَّيِّ وَيَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ مَجَازًا فِي الْإِظْهَارِ وَالْإِيضَاحِ وَفِي الْإِخْرَاج.
ف النَّاشِراتِ إِذَا جُعِلَ وَصْفًا لِلْمَلَائِكَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَشْرَهُمُ الْوَحْيِ، أَيْ تَكْرِيرَ نُزُولِهِمْ لِذَلِكَ، وَأَنْ يَكُونَ النَّشْرُ كِنَايَةً عَنِ الْوُضُوحِ، أَيْ بالشرائع الْبَيِّنَة.
وَإِذا جُعِلَ وَصْفًا لِلرِّيَاحِ فَهُوَ نَشْرُ السَّحَابِ فِي الْأَجْوَاءِ فَيَكُونُ عَطْفُهُ بِالْوَاوِ دون الْفَاء لتنبيه عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُرْسَلاتِ لَا على فَالْعاصِفاتِ لِأَنَّ الْعَصْفَ حَالَةٌ مُضِرَّةٌ وَالنَّشْرَ حَالَةُ نَفْعٍ.
وَالْقَوْلُ فِي تَأْكِيدِ نَشْراً وَتَنْوِينِهِ كَالْقَوْلِ فِي عَصْفاً.
وَالْفَرْقُ: التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، فَإِذَا كَانَ وَصْفًا لِلْمَلَائِكَةِ فَهُوَ صَالِحٌ لِلْفَرْقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute