للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِشَرَرِهَا فَيُرَوِّعُهُمُ الْمَنْظَرُ، أَوْ يُشَاهِدُونَهَا عَنْ بُعْدٍ لَا تَتَّضِحُ مِنْهُ الْأَشْيَاءُ وَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مَخَائِلُ تَوَقُّعِهِمْ أَنَّهُمْ بالغون إِلَيْهِ فيزدادون رَوْعًا وَتَهْوِيلًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّ جَهَنَّمَ تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اعْتِرَاضًا فِي أَثْنَاءِ حِكَايَةِ حَالِهِمْ، أَوْ فِي خِتَامِ حِكَايَةِ حَالِهِمْ.

فَضَمِيرُ إِنَّها عَائِدٌ إِلَى جَهَنَّمَ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ كَمَا يُقَالُ لِلَّذِي يُسَاقُ إِلَى الْقَتْلِ وَقَدْ رَأَى رَجُلًا بِيَدِهِ سَيْفٌ فَاضْطَرَبَ لِرُؤْيَتِهِ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ الْجَلَّادُ.

وَإِجْرَاءُ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهَا لِزِيَادَةِ التَّرْوِيعِ وَالتَّهْوِيلِ، فَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ الشَّرَرَ لِقُرْبِهِمْ مِنْهُ فَوَصَفَهُ لَهُمْ لِتَأْكِيدِ التَّرْوِيعِ وَالتَّهْوِيلِ بِتَظَاهُرِ السَّمْعِ مَعَ الرُّؤْيَةِ. وَإِنْ كَانُوا عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ فَالْوَصْفُ لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ الْفَظِيعَةِ.

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ (إِنَّ) لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ رَأَوْهُ أَوْ أُخْبِرُوا بِهِ.

وَالشَّرَرُ: اسْمُ جَمْعِ شَرَرَةٍ: وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمُشْتَعِلَةُ مِنْ دَقِيقِ الْحَطَبِ يَدْفَعُهَا لَهَبُ النَّارِ

فِي الْهَوَاءِ مِنْ شِدَّةِ الْتِهَابِ النَّارِ.

وَالْقَصْرُ: الْبِنَاءُ الْعَالِي. وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْجِنْسِ، أَيْ كَالْقُصُورِ لِأَنَّهُ شُبِّهَ بِهِ جَمْعٌ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مِثْلُ تَعْرِيفِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ [الْحَدِيد: ٢٥] ، أَيِ الْكُتُبَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكِتَابُ أَكْثَرُ مِنَ الْكُتُبِ، أَيْ كُلِّ شَرَرَةٍ كَقَصْرٍ، وَهَذَا تَشْبِيهٌ فِي عِظَمِ حَجْمِهِ.

وَقَوله: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ تَشْبِيه لَهُ فِي حَجْمِهِ وَلَوْنِهِ وَحَرَكَتِهِ فِي تَطَايُرِهِ بِجِمَالَاتٍ صُفْرٍ. وَضَمِيرُ كَأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى شَرَرٍ.

وَالْجِمَالَاتُ: بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جِمَالَةٍ، وَهِيَ اسْمُ جَمْعِ طَائِفَةٍ مِنَ الْجِمَالِ، أَيْ تُشْبِهُ طَوَائِفَ مِنَ الْجِمَالِ مُتَوَزِّعَةً فِرَقًا، وَهَذَا تَشْبِيهٌ مُرَكَّبٌ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي هَيْئَةِ الْحَجْمِ مَعَ لَوْنِهِ مَعَ حَرَكَتِهِ. وَالصُّفْرَةُ: لَوْنُ الشَّرَرِ إِذَا ابْتَعَدَ عَنْ لَهِيبِ نَارِهِ.