مِرْصَادًا أَمْرٌ مُقَدَّرٌ لَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً [النبأ: ١٧] . وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى سَعَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ أَعَدَّ فِي أَزَلِهِ عِقَابًا لِلطَّاغِينَ.
ومَآباً: مَكَانُ الْأَوْبِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، أُطْلِقَ عَلَى الْمَقَرِّ وَالْمَسْكَنِ إِطْلَاقًا أَصْلُهُ كِنَايَةٌ ثُمَّ شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فَصَارَ اسْمًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَرْءُ.
وَنُصِبَ مَآباً عَلَى الْحَالِ مِنْ جَهَنَّمَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ ثَانٍ لِفِعْلِ كانَتْ أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ مِرْصاداً لِأَنَّ الرَّصْدَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَشْيَاءَ مَقْصُودَةٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونُوا صَائِرِينَ إِلَى جَهَنَّمَ.
ولِلطَّاغِينَ مُتَعَلِّقُ بِ مَآباً قُدِّمَ عَلَيْهِ لِإِدْخَالِ الرَّوْعِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بِشِرْكِهِمْ طَغَوْا عَلَى اللَّهِ، وَهَذَا أَحْسَنُ كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِ مِرْصاداً أَوْ مُتَنَازَعًا فِيهِ بَيْنَ مِرْصاداً ومَآباً كَمَا عَلِمْتَ آنِفًا.
وَالطُّغْيَانُ: تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِحَقِّ الْغَيْرِ وَالْكِبْرُ، وَالتَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْعَهْدِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ: فَتَأْتُونَ أَفْواجاً [النبأ: ١٨] فَهُوَ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ الْإِيمَاءِ إِلَى سَبَبِ جَعْلِ جَهَنَّمَ لَهُمْ لِأَنَّ الشِّرْكَ أَقْصَى الطُّغْيَانِ إِذِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ أَعْرَضُوا عَنْ عِبَادَتِهِ وَمُتَكَبِّرُونَ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَنِفُوا مِنْ قَبُولِ دَعْوَتِهِ وَهُمُ الْمَقْصُودُ مِنْ مُعْظَمِ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: إِنَّهُمْ كانُوا لَا يَرْجُونَ حِساباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً [النبأ: ٢٧، ٢٨] . هَذَا وَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِحُقُوقِ اللَّهِ، أَوِ الْمُعْتَدِينَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاحْتِقَارًا لَا لِمُجَرَّدِ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لَهُمْ حَظٌّ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ بِمِقْدَارِ اقْتِرَابِهِمْ مِنْ حَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ.
وَاللَّابِثُ: الْمُقِيمُ بِالْمَكَانِ. وَانْتُصِبَ لابِثِينَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الطَّاغِينَ.
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ لابِثِينَ عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ لَابِثٍ. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَرَوْحٌ عَن يَعْقُوب لبثين عَلَى صِيغَةِ جَمْعِ (لَبِثٍ) مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ مِثْلَ حَذِرٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، أَوْ مِنَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَتَقْتَضِي أَنَّ اللَّبِثَ شَأْنُهُ كَالَّذِي يَجْثُمُ فِي مَكَانٍ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ.
وَأَحْقَابٌ: جَمْعُ حُقُبٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَهُوَ زَمَنٌ طَوِيلٌ نَحْوَ الثَّمَانِينَ سَنَةً، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً فِي سُورَةِ الْكَهْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute