للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَصَارَ التَّعْلِيقُ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِفْهَامُ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ لَمَا صَحَّ كَوْنُ جُمْلَتِهِ مَعْمُولَةً لِلْعَامِلِ الْمُعَلَّقِ.

قَالَ الرَّضِيُّ: «إِنَّ أَدَاةَ الِاسْتِفْهَامِ بَعْدَ الْعِلْمِ لَيْسَتْ مُفِيدَةً لِاسْتِفْهَامِ الْمُتَكَلِّمِ بِهَا لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ بَيْنَ عَلِمْتُ وَأَزَيْدٌ قَائِمٌ بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمَعْنَى عَلِمْتُ الَّذِي يَسْتَفْهِمُ النَّاسُ عَنْهُ» اهـ، فَيَجِيءُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ قَوْلَكَ عَلِمْتُ أَزَيْدٌ قَائِمٌ يَقُولُهُ: مَنْ عَلِمَ شَيْئًا يَجْهَلُهُ النَّاسُ أَوْ يَعْتَنُونَ بِعِلْمِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِكَ عَلِمْتُ زَيْدًا قَائِمًا، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْتِفْهَامُ الْوَارِدُ بَعْدَ السُّؤَالِ حِكَايَةً لِلَفْظِ السُّؤَالِ فَتَكُونُ جُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِ بَيَانًا لِجُمْلَةِ السُّؤَالِ قَالَ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ فِي قَوْلِ الْحَرِيرِيِّ «سَأَلْنَاهُ أَنَّى اهْتَدَيْتَ إِلَيْنَا» أَيْ سَأَلْنَاهُ هَذَا السُّؤَالَ اهـ. وَهُوَ يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُضَمَّنَ سَلْ مَعْنَى الْقَوْلِ، أَيْ فَيَكُونُ مَفْعُولُهُ الثَّانِي كَلَامًا فَقَدْ أُعْطِيَ سَلْ مَفْعُولَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى لَفْظِهِ وَالْآخَرُ مُنَاسِبٌ لِمَعْنَى الْمُضَمَّنِ.

وَجَوَّزَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي «شَرْحِ الْكَشَّافِ» أَنَّ جُمْلَةَ كَمْ آتَيْناهُمْ بَيَانٌ لِلْمَقْصُودِ مِنَ السُّؤَالِ، أَيْ سَلْهُمْ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ، قَالَ السَّلْكُوتِيُّ فِي «حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ» : فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةً مَوْقِعَ الْمَفْعُولِ، أَيْ وَلَا تَعْلِيقَ فِي الْفِعْلِ.

وَجَوَّزَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَنْ تَكُونَ (كَمْ) خَبَرِيَّةً، أَيْ فَتَكُونُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ وَقَدْ قُطِعَ

فِعْلُ السُّؤَالِ عَنْ مُتَعَلِّقِهِ اخْتِصَارًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، أَيْ سَلْهُمْ عَنْ حَالِهِمْ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ، فَبِذَلِكَ حَصَلَ التَّقْرِيعُ. وَيَكُونُ كَمْ آتَيْناهُمْ تَدَرُّجًا فِي التَّقْرِيعِ بِقَرِينَةِ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ، وَلِبُعْدِ كَوْنِهَا خَبَرِيَّةً أَنْكَرَهُ أَبُو حَيَّانَ عَلَى صَاحِبِ «الْكَشَّافِ» وَقَالَ إِنَّهُ يُفْضِي إِلَى اقتطاع الْجُمْلَة الَّتِي فِيهَا كَمْ عَنْ جُمْلَةِ السُّؤَالِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ السُّؤَالُ عَنِ النِّعَمِ.

ومِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ تَمْيِيزُ (كَمْ) دَخَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الَّتِي يَنْتَصِبُ تَمْيِيزُ كَمِ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ عَلَى مَعْنَاهَا وَالَّتِي يُجَرُّ تَمْيِيزُ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ بِتَقْدِيرِهَا ظَهَرَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تَصْرِيحًا بِالْمُقَدَّرِ، لِأَنَّ كُلَّ حَرْفٍ يَنْصِبُ مُضْمَرًا يَجُوزُ ظُهُورُهُ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ مِثْلَ إِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ حَتَّى، قَالَ الرَّضِيُّ: إِذَا فُصِلَ بَيْنَ كَمِ الْخَبَرِيَّةِ والاستفهامية وَبَين مميزهما بِفِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَجَبَ جَرُّ التَّمْيِيزِ بِمِنْ (أَيْ ظَاهِرِهِ) لِئَلَّا يَلْتَبِسَ التَّمْيِيزُ بِالْمَفْعُولِ نَحْو قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدُّخان: ٢٥] ووَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ [الْقَصَص: ٥٨] اهـ أَيْ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِمَفْعُولِ ذَلِكَ الْفِعْلِ الْفَاصِلِ، أَوْ هُوَ لِلتَّنْبِيهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّهُ تَمْيِيزٌ لَا مَفْعُولٌ إِغَاثَةً لِفَهْمِ السَّامِعِ وَذَلِكَ مِنْ بَلَاغَةِ الْعَرَبِ، وَعِنْدِي أَنَّ مُوجِبَ ظُهُورِ مِنْ فِي حَالَةِ الْفَصْلِ هُوَ بعد المميّز عَن الْمُمَيَّزِ لَا غَيْرَ، وَقِيلَ: ظُهُورُ (مِنْ)