للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِتُودَعَ فِي أَجْسَادِهَا، وَعَلَيْهِ يَكُونُ فِعْلُ يَقُومُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

والْمَلائِكَةُ عَطْفٌ عَلَى الرُّوحُ، أَيْ وَيَقُومُ الْمَلَائِكَةُ صَفًّا.

وَالصَّفُّ اسْمٌ لِلْأَشْيَاءِ الْكَائِنَةِ فِي مَكَانٍ يُجَانِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَالْخَطِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا فِي سُورَةِ طه [٦٤] ، وَفِي قَوْلِهِ: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ فِي سُورَةِ الْحَجِّ [٣٦] ، وَهُوَ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَأَصْلُهُ لِلْمُبَالَغَةِ ثُمَّ صَارَ اسْمًا، وَإِنَّمَا يَصْطَفُّ النَّاسُ فِي الْمَقَامَاتِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا أَمْرٌ عَظِيمٌ فَصَفُّ الْمَلَائِكَةِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ وَخُضُوعٌ لَهُ.

وَالْإِذْنُ: اسْمٌ لِلْكَلَامِ الَّذِي يُفِيدُ إِبَاحَةَ فِعْلٍ لِلْمَأْذُونِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ: أَذِنَ لَهُ، إِذَا اسْتَمَعَ إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ [الإنشقاق: ٢] ، أَي استمعت وأطاعت لِإِرَادَةِ

اللَّهِ. وَأَذِنَ: فِعْلٌ مُشْتَقٌّ مِنَ اسْمِ الْأُذُنِ وَهِيَ جَارِحَةُ السَّمْعِ، فَأَصْلُ مَعْنَى أَذِنَ لَهُ: أَمَالَ أُذُنَهُ، أَيْ سَمْعَهُ إِلَيْهِ يُقَالُ: أَذِنَ يَأْذَنُ أَذَنًا كَفَرِحَ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي لَازِمِ السَّمْعِ وَهُوَ الرِّضَى بِالْمَسْمُوعِ فَصَارَ أَذِنَ بِمَعْنَى رَضِيَ بِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ أَوْ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ، وَأَبَاحَ فِعْلَهُ، وَمَصْدَرُهُ إِذْنٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ فَكَأَنَّ اخْتِلَافَ صِيغَةِ الْمَصْدَرَيْنِ لِقَصْدِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ.

وَمُتَعَلَّقُ أَذِنَ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ لَا يَتَكَلَّمُونَ، أَيْ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْكَلَامِ.

وَمعنى أذن الرحمان: أَنَّ مَنْ يُرِيدُ التَّكَلُّمَ لَا يَسْتَطِيعُهُ أَوْ تَعْتَرِيهِ رَهْبَةٌ فَلَا يُقْدِمُ عَلَى الْكَلَامِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ اللَّهَ فَأَذِنَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَسْتَأْذِنُهُ إِذَا أَلْهَمَهُ اللَّهُ لِلِاسْتِئْذَانِ فَإِنَّ الْإِلْهَامَ إِذْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمُكَاشَفَاتِ فِي الْعَامِلِ الْأُخْرَوِيِّ فَإِذَا أَلْقَى اللَّهُ فِي النَّفْسِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ اسْتَأْذَنَ اللَّهَ فَأَذِنَ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنْ إِحْجَامِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ الِاسْتِشْفَاعِ لِلنَّاسِ حَتَّى يَأْتُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

فِي الْحَدِيثِ: «فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدَ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» .

وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الْأَنْبِيَاء: ٢٨] ، أَيْ لِمَنْ عَلِمُوا