للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً إِلَى قَوْلِهِ: فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً [النبأ: ٢١- ٣٠] .

وَقُرْبُ الْعَذَابِ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا فِي تَحَقُّقِهِ وَإِلَّا فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ بَعِيدٌ، قَالَ تَعَالَى:

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً [المعارج: ٦، ٧] ، أَيْ لِتَحَقُّقِهِ فَهُوَ كَالْقَرِيبِ عَلَى أَنَّ الْعَذَابَ يُصَدَّقُ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ الْإِنْذَارُ بِهِ، وَيُصَدَّقُ بِعَذَابِ الدُّنْيَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ فِي غَزَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الشِّرْكِ. وَعَنْ مُقَاتِلٍ: هُوَ قَتْلُ قُرَيْشٍ بِبَدْرٍ. وَيَشْمَلُ عَذَابَ يَوْمِ الْفَتْحِ وَيَوْمِ حُنَيْنٍ كَمَا وَرَدَ لَفْظُ الْعَذَابِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [التَّوْبَة: ١٤] وَقَوْلِهِ: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ [الطّور: ٤٧] .

ْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِفِعْلِ: اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً [النبأ: ٣٩] فَيكون وْمَ يَنْظُرُ

ظَرْفًا لَغوا مُتَعَلقا بنْذَرْناكُمْ

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النبأ: ٣٨] لِأَنَّ قِيَامَ الْمَلَائِكَةِ صَفًّا حُضُورٌ لِمُحَاسَبَةِ النَّاسِ وَتَنْفِيذِ فَصْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ حِينَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، أَيْ مَا عَمِلَهُ سَالِفًا فَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الظَّرْفِ تَابِعٌ لَهُ فِي مَوْقِعِهِ.

وَعَلَى كلا الْوَجْهَيْنِ فجملةنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً

مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الظَّرْفِ وَمُتَعَلِّقِهِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا أُبْدِلَ مِنْهُ.

وَالْمَرْءُ: اسْمٌ لِلرَّجُلِ إِذْ هُوَ اسْمٌ مُؤَنَّثُهُ امْرَأَةٌ.

وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَرْءِ جَرَى عَلَى غَالِبِ اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ فِي كَلَامِهِمْ، فَالْكَلَامُ خَرَجَ

مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي التَّخَاطُبِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي شُؤُونِ مَا كَانَ خَارِجَ الْبَيْتِ.

وَالْمُرَادُ: يَنْظُرُ الْإِنْسَانُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، وَهَذَا يُعْلَمُ مِنَ اسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ الدَّالِّ عَلَى عُمُومِ التَّكَالِيفِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا مَا خُصَّ مِنْهَا بِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ لِأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْمُسْتَحْضَرُ فِي أَذْهَانِ الْمُتَخَاطِبِينَ عِنْدَ التَّخَاطُبِ.