وَقِيلَ: السَّابِحاتِ النُّجُومُ، وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ النَّازِعَاتِ بِالنُّجُومِ، وسَبْحاً مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لإِفَادَة التَّحْقِيق مَعَ التوسل إِلَى تنوينه لِلتَّعْظِيمِ، وَعَطْفُ فَالسَّابِقاتِ بِالْفَاءِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ مُتَفَرِّعَةٌ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهُمْ يَعْطِفُونَ بِالْفَاءِ الصِّفَاتِ الَّتِي شَأْنِهَا أَنْ يَتَفَرَّعَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً [الصافات: ١- ٣] قَول ابْنِ زَيَّابَةَ:
يَا لَهْفَ زَيَّابَةَ لِلْحَارِثِ الصَّ ... ابِحِ فَالْغَائِمِ فَالْآيِبِ
فَلِذَلِكَ فَالسَّابِقاتِ هِيَ السَّابِقَاتُ مِنَ السَّابِحَاتِ.
وَالسَّبْقُ: تَجَاوُزُ السَّائِرِ مَنْ يَسِيرُ مَعَهُ وَوُصُولُهُ إِلَى الْمَكَانِ الْمَسِيرِ إِلَيْهِ قَبْلَهُ. وَيُطْلَقُ السَّبْقُ عَلَى سُرْعَةِ الْوُصُولِ مِنْ دُونِ وُجُودِ سَائِرٍ مَعَ السَّابِقِ قَالَ تَعَالَى: اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
[الْبَقَرَة: ١٤٨] وَقَالَ: أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦١] .
وَيُطْلَقُ السَّبْقُ عَلَى الْغَلَبِ وَالْقَهْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا [العنكبوت: ٤] وَقَوْلُ مُرَّةَ بْنِ عَدَّاءٍ الْفَقْعَسِيِّ:
كَأَنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْرِ لَيْلَةً ... إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً يَصْلُحُ لِلْحَمْلِ عَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي عَلَى اخْتِلَافِ مَحَامِلِ وَصْفِ السَّابِحَاتِ بِمَا يُنَاسِبُ كُلَّ احْتِمَالٍ عَلَى حِيَالِهِ بِأَنْ يُرَادَ السَّائِرَاتِ سَيْرًا سَرِيعًا فِيمَا تَعْلَمُهُ، أَوِ الْمُبَادِرَاتِ. وَإِذَا كَانَ السَّابِحاتِ بِمَعْنَى الْخَيْلِ كَانَ (السَّابِقَاتُ) إِنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الْمُسْرِعَاتِ كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ مُبَالَاةِ الْفُرْسَانِ بِعَدُوِّهِمْ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، أَوْ عَلَى مَعْنَى غَلَبِهِمْ أَعْدَاءَهُمْ.
وَأُكِّدَ بِالْمَصْدَرِ الْمُرَادِفِ لِمَعْنَاهُ وَهُوَ سَبْقاً لِلتَّأْكِيدِ وَلِدِلَالَةِ التَّنْكِيرِ عَلَى عِظَمِ ذَلِك السَّبق.
فَالْمُدَبِّراتِ: الْمَوْصُوفَةُ بِالتَّدْبِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute