للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُرَادُ بِ الْحافِرَةِ: الْحَالَةُ الْقَدِيمَةُ، يَعْنِي الْحَيَاةَ.

وَإِطْلَاقَاتُ الْحافِرَةِ كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَا تَتَمَيَّزُ الْحَقِيقَةُ مِنْهَا عَنِ الْمَجَازِ، وَالْأَظْهَرُ مَا فِي «الْكَشَّافِ» : يُقَالُ رَجَعَ فُلَانٌ إِلَى حَافِرَتِهِ، أَيْ فِي طَرِيقِهِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا فَحَفَرَهَا، أَيْ أَثَّرَ فِيهَا بِمَشْيِهِ فِيهَا جُعِلَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ حَفْرًا أَيْ لِأَنَّ قَدَمَيْهِ جُعِلَتَا فِيهَا أَثَرًا مِثْلَ الْحَفْرِ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ وَصْفَ الطَّرِيقِ بِأَنَّهَا حَافِرَةٌ عَلَى مَعْنَى ذَاتِ حَفْرٍ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ كَقَوْلِهِمْ: عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، أَيْ رَاضٍ عَائِشُهَا، وَيَقُولُونَ: رَجَعَ إِلَى الْحَافِرَةِ، تَمْثِيلًا لِمَنْ كَانَ فِي حَالَةٍ فَفَارَقَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَصَارَ: رَجَعَ فِي الْحَافِرَةِ، وَرُدَّ

إِلَى الْحَافِرَةِ، جَارِيًا مَجْرَى الْمَثَلِ.

وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ حِطَّانَ حَسْبَمَا ظَنَّ ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ فِي شَرْحِ «أَدَبِ الْكُتَّابِ» :

أَحَافِرَةً عَلَى صَلَعٍ وَشَيْبٍ ... مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ سَفَهٍ وَعَارِ

وَمِنَ الْأَمْثَالِ قَوْلُهُمْ: «النَّقْدُ عِنْدَ الْحَافِرَةِ» ، أَيْ إِعْطَاءُ سَبْقِ الرِّهَانِ لِلسَّابِقِ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى الْأَمَدِ الْمُعَيَّنِ لِلرِّهَانِ. يُرِيدُ: أرجوعا إِلَى الحافرة.

وَظَرْفُ (إِذَا) فِي قَوْلِهِ: إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً هُوَ مَنَاطُ التَّعَجُّبِ وَادِّعَاءُ الِاسْتِحَالَةِ، أَيْ إِذَا صِرْنَا عِظَامًا بَالِيَةً فَكَيْفَ نَرْجِعُ أَحْيَاءً.

وإِذا مُتَعَلِّقٌ بِ (مَرْدُودُونَ) ونَخِرَةً صِفَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَخِرَ الْعَظْمُ، إِذَا بَلِيَ فَصَارَ فَارِغَ الْوَسَطِ كَالْقَصَبَةِ.

وَتَأْنِيثُ نَخِرَةً لِأَنَّ مَوْصُوفَهُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ، فَوَصْفُهُ يَجْرِي عَلَى التَّأْنِيثِ فِي الِاسْتِعْمَالِ.

هِيَ همزَة (إِذا) . وَقَرَأَ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ أَإِذا بِهَمْزَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مَفْتُوحَةُ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالثَّانِيَةُ مَكْسُورَةٌ هِيَ هَمْزَةُ (إِذَا) .

وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ مُؤَكِّدٌ لِلِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ