وَحُذِفَ مَفْعُولُ (حَشَرَ) لِظُهُورِهِ لِأَنَّ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ هُمْ أَهْلُ مَدِينَتِهِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ.
وَعَطْفُ فَنادى بِالْفَاءِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ أَعْلَنَ هَذَا الْقَوْلَ لَهُمْ بِفَوْرِ حُضُورِهِمْ لِفَرْطِ حِرْصِهِ عَلَى إِبْلَاغِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
وَالنِّدَاءُ: حَقِيقَتُهُ جَهْرُ الصَّوْتِ بِدَعْوَةِ أَحَدٍ لِيَحْضُرَ وَلِذَلِكَ كَانَتْ حُرُوفُ النِّدَاءِ نَائِبَةً مَنَابَ (أَدْعُو) فَنَصَبَتِ الِاسْمَ الْوَاقِعَ بَعْدَهَا. وَيُطْلَقُ النِّدَاءُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ دُونَ طَلَبِ حُضُورٍ مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ اللُّزُومِ كَقَوْلِ الْحَرِيرِيِّ فِي «الْمَقَامَةِ الثَّلَاثِينَ» «فَحِينَ جَلَسَ كَأَنَّهُ ابْنُ مَاءِ السَّمَاءِ، نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ الْأَحْمَاءِ» إِلَخْ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ (نَادَى) كَمَا حُذِفَ مَفْعُولُ (حَشَرَ) .
وَإِسْنَادُ الْحَشْرِ وَالنِّدَاءِ إِلَى فِرْعَوْنَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ لِأَنَّهُ لَا يُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ حَشْرَ النَّاسِ وَلَا نِدَاءَهُمْ وَلَكِنْ يَأْمُرُ أَتْبَاعَهُ وَجُنْدَهُ، وَإِنَّمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ كَقَوْلِهِمْ: بَنَى الْمَنْصُورُ بَغْدَادَ.
وَالْقَوْلُ الَّذِي نَادَى بِهِ هُوَ تَذْكِيرُ قَوْمِهِ بِمُعْتَقَدِهِمْ فِيهِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَبِرُونَ مَلِكَ مِصْرَ إِلَهًا لِأَنَّ الْكَهَنَةَ يُخْبِرُونَهُمْ بِأَنَّهُ ابْنُ (آمُونَ رَعِ) الَّذِي يَجْعَلُونَهُ إِلَهًا وَمَظْهَرُهُ الشَّمْسُ.
وَصِيغَةُ الْحَصْرِ فِي أَنَا رَبُّكُمُ لِرَدِّ دَعْوَةِ مُوسَى.
وَقَوْلُهُ: فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ فَنادى بَدَلًا مُطَابِقًا بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الْفَاءُ لِأَنَّ الْبَدَلَ قَدْ يَقْتَرِنُ بِمِثْلِ الْعَامِلِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٩] .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ: فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ يَسْعى عَلَى أَنْ يَكُونَ فِرْعَوْنُ أَمَرَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي أَنْحَاءِ مَمْلَكَتِهِ، وَلَيْسَ قَاصِرًا عَلَى إِعْلَانِهِ فِي الْحَشْرِ الَّذِينَ حَشَرَهُمْ حَوْلَ قَصْرِهِ.
فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالرَّبِّ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ ابْنُ (آمُونَ رَعْ) وَهُوَ الرَّبُّ الْأَعْلَى، فَابْنُهُ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute