بِذِكْرِ وَقْتِ السَّاعَةِ، أَيْ مُتَلَبِّسًا بِهِ تَلَبُّسَ الْعَالِمِ بِالْمَعْلُومِ فَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ فِي الْحَرْفِ.
وَحَذْفُ أَلِفِ (مَا) لِوُقُوعِهَا بَعْدَ حَرْفِ الْجَرِّ مِثْلَ عَمَّ يَتَساءَلُونَ [النبأ: ١] . وفِيمَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وأَنْتَ مُبْتَدَأٌ، ومِنْ ذِكْراها إِمَّا مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي فِي الْخَبَرِ أَوْ هُوَ حَالٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ.
ومِنْ: إِمَّا مُبَيِّنَةٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي (مَا) الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، أَيْ فِي شَيْءٍ هُوَ ذِكْرَاهَا، أَيْ فِي شَيْءٍ هُوَ أَنْ تَذْكُرَهَا، أَيْ لَسْتَ مُتَصَدِّيًا لِشَيْءٍ هُوَ ذِكْرَى السَّاعَةِ، وَإِمَّا صِفَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ فَهِيَ اتِّصَالِيَّةٌ وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الِابْتِدَائِيَّةِ ابْتِدَاؤُهَا مَجَازِيٌّ، أَيْ لَسْتَ فِي شَيْءٍ يَتَّصِلُ بِذِكْرَى السَّاعَةِ وَيَحُومُ حَوْلَهُ، أَيْ مَا أَنْتَ فِي شَيْءٍ هُوَ ذِكْرُ وَقْتِ السَّاعَةِ، وَعَلَى الثَّانِي: مَا أَنْتِ فِي صِلَةٍ مَعَ ذِكْرِ السَّاعَةِ، أَيْ لَا مُلَابَسَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ تَعْيِينِ وَقْتِهَا.
وَتَقْدِيمُ فِيمَ عَلَى الْمُبْتَدَأِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ لِيُفِيدَ أَنَّ مَضْمُونَ الْخَبَرِ هُوَ مَنَاطُ الْإِنْكَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ: أَأَنْتَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذِكْرَاهَا؟
وَالذِّكْرَى: اسْمُ مَصْدَرِ الذِّكْرِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الذِّكْرُ اللِّسَانِيُّ.
وَجُمْلَةُ إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها فِي مَوْقِعِ الْعِلَّةِ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيرُ مُضَافٍ، وَالْمَعْنَى: إِلَى رَبِّكَ عِلْمُ مُنْتَهَاهَا.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي قَوْلِهِ: إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها لِإِفَادَةِ الْقَصْرِ، أَيْ لَا إِلَيْكَ، وَهَذَا قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى مَوْصُوفٍ.
وَالْمُنْتَهَى: أَصْلُهُ مَكَانُ انْتِهَاءِ السَّيْرِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَصِيرِ لِأَنَّ الْمَصِيرَ لَازِمٌ لِلِانْتِهَاءِ قَالَ تَعَالَى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النَّجْم: ٤٢] ثُمَّ تُوُسِّعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الْعِلْمِ، أَيْ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، فَقَوْلُهُ: مُنْتَهاها هُوَ فِي الْمَعْنَى عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ عِلْمُ وَقْتِ حُصُولِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: أَيَّانَ مُرْساها وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهاها بِمَعْنَى بُلُوغِ خَبَرِهَا كَمَا يُقَالُ: أَنْهَيْتُ إِلَى فُلَانٍ حَادِثَةَ كَذَا، وَانْتَهَى إِلَيَّ نَبَأُ كَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute