للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالَّذِي اقْتَضَى الْإِتْيَانَ بِالضَّمِيرِ وَكَوْنَهُ ضَمِيرَ مُذَكَّرٍ مُرَاعَاةُ الْفَوَاصِلِ وَهِيَ: تَذْكِرَةٌ، مُطَهَّرَةٍ، سَفَرَةٍ، بَرَرَةٍ وَجُمْلَةُ: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ قَوْلِهِ: تَذْكِرَةٌ وَقَوْلِهِ: فِي صُحُفٍ وَالْفَاءُ لِتَفْرِيعِ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ عَلَى جُمْلَةِ إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَإِنَّ الْجُمْلَةَ الْمُعْتَرِضَةَ تَقْتَرِنُ بِالْفَاءِ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفَاءِ قَائِمًا، فَالْفَاءُ مِنْ جُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِ، أَيْ هِيَ تَذْكِرَةٌ لَكَ بِالْأَصَالَةِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَذَكَّرَ عَلَى حَسَبِ اسْتِعْدَادِهِ، أَيْ يَتَذَكَّرُ بِهَا كُلُّ مُسْلِمٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: ٤٤] .

وَفِي قَوْلِهِ: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ مَوْعِظَةَ الْقُرْآنِ نَافِعَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ تَجَرَّدَ عَنِ الْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ، فَمَنْ لَمْ يَتَّعِظْ بِهَا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَتَّعِظَ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النازعات: ٤٥] وَقَوْلِهِ: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ [التكوير: ٢٨] وَقَوْلِهِ:

وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [الحاقة: ٤٨] وَنَحْوُهُ كَثِيرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبٌ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا فِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ [٢٩] .

وَالتَّذْكِرَةُ: اسْمٌ لِمَا يُتَذَكَّرُ بِهِ الشَّيْءُ إِذَا نُسِيَ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الدِّلَالَةِ وَالْأَمَارَةِ قَالَ تَعَالَى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ [٤٩] .

وَكُلٌّ مِنْ تَذْكِرَةٌ وذَكَرَهُ هُوَ مِنَ الذِّكْرِ الْقَلْبِيِّ الَّذِي مصدره بِضَم الدَّال فِي الْغَالِبِ، أَيْ فَمَنْ شَاءَ عَمِلَ بِهِ وَلَا يَنْسَهُ.

وَالصُّحُفُ: جَمْعُ صَحِيفَةٍ، وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ أَدِيمٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ خِرْقَةٌ يُكْتَبُ فِيهَا الْكِتَابُ، وَقِيَاسُ جَمْعِهَا صَحَائِفُ، وَأَمَّا جَمْعُهَا عَلَى صُحُفٍ فَمُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ، وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا صُحُفٌ، وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ الْأَعْلَى، وَتُطْلَقُ الصَّحِيفَةُ عَلَى مَا يُكْتَبُ فِيهِ.

ومُطَهَّرَةٍ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ طَهَّرَهِ إِذَا نَظَّفَهُ. وَالْمُرَادُ هُنَا: الطَّهَارَةُ الْمَجَازِيَّةُ وَهِيَ الشَّرَفُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ الصُّحُفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَتَكُونُ أَوْصَافُهَا بِ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ، مُطَهَّرَةٍ مَحْمُولَةً عَلَى الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ وَهِيَ مَعَانِي الِاعْتِنَاءِ بِهَا