وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَنَّا صَبَبْنَا بِكَسْرِ هَمْزَةِ (أَنَّا) عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ لِتَفْصِيلِ مَا أُجْمِلَ هُنَالِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِيجَازِ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ بَدَلِ اشْتِمَالٍ مِنْ طَعامِهِ أَوِ الْبَدَلُ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ.
وَالصَّبُّ: إِلْقَاءُ صُبْرَةٍ مُتَجَمِّعَةٍ مِنْ أَجْزَاءٍ مَائِعَةٍ أَوْ كَالْمَائِعَةِ فِي الدِّقَّةِ فِي وِعَاءٍ غَيْرِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ، يُقَالُ: صَبَّ الْمَاءَ فِي الْجَرَّةِ، وَصَبَّ الْقَمْحَ فِي الْهَرِي، وَصَبَّ الدَّرَاهِمَ فِي الْكِيسِ. وَأَصْلُهُ: صَبَّ الْمَاءَ، مِثْلَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَإِفْرَاغِ الدَّلْوِ.
وَالشَّقُّ: الْإِبْعَادُ بَيْنَ مَا كَانَ مُتَّصِلًا. وَالْمُرَادُ هُنَا شَقُّ سَطْحِ الْأَرْضِ بِخَرْقِ الْمَاءِ فِيهِ أَوْ بِآلَةٍ كَالْمِحْرَاثِ وَالْمِسْحَاةِ، أَوْ بِقُوَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ فِي زَمَنِ الصَّيْفِ لِتَتَهَيَّأَ لِقَبُولِ الْأَمْطَارِ فِي فَصْلِ الْخَرِيفِ وَالشِّتَاءِ.
وَإِسْنَادُ الصَّبِّ وَالشَّقِّ وَالْإِنْبَاتِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ لِأَنَّ اللَّهَ مُقَدِّرُ نِظَامِ الْأَسْبَابِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي ذَلِكَ، وَمُحْكِمُ نَوَامِيسِهَا وَمُلْهِمُ النَّاسِ اسْتِعْمَالَهَا.
فَالْإِسْنَادُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ. وَقَدْ شَاعَ فِي صَبَبْنَا وَ (أَنْبَتْنَا) حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ الْعَقْلِيَّةَ.
وَانْتَصَبَ صَبًّا وشَقًّا عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِ صَبَبْنَا وشَقَقْنَا مُؤَكِّدًا لِعَامِلِهِ لِيَتَأَتَّى تَنْوِينُهُ لِمَا فِي التَّنْكِيرِ مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى التَّعْظِيمِ وَتَعْظِيمُ كُلِّ شَيْءٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَهُوَ تَعْظِيمُ تَعْجِيبٍ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَأَنْبَتْنا لِلتَّفْرِيعِ وَالتَّعْقِيبِ وَهُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ.
وَالْحَبُّ أُرِيدَ مِنْهُ الْمُقْتَاتُ مِنْهُ لِلْإِنْسَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٦١] .
وَالْعِنَبُ: ثَمَرُ الْكَرْمِ، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ الْخَمْرُ وَالْخَلُّ، وَيُؤْكَلُ رَطْبًا، وَيُتَّخَذُ مِنْهُ الزَّبِيبُ.
وَالْقَضْبُ: الْفِصْفِصَةُ الرَّطْبَةُ، سُمِّيَتْ قَضْبًا لِأَنَّهَا تُعْلَفُ لِلدَّوَابِّ رَطْبَةً فَتُقَضَّبُ،