وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ اثْنَا عَشَرَ حَدَثًا فَسِتَّةٌ مِنْهَا تَحْصُلُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَسِتَّةٌ مِنْهَا تَحْصُلُ فِي الْآخِرَةِ.
وَكَانَتِ الْجُمَلُ الَّتِي جُعِلَتْ شُرُوطًا لِ إِذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفْتَتَحَةً بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِمُسْنَدٍ فِعْلِيٍّ دُونَ كَوْنِهَا جُمَلًا فِعْلِيَّةً وَدُونَ تَقْدِيرِ أَفْعَالٍ مَحْذُوفَةٍ تُفَسِّرُهَا الْأَفْعَالُ الْمَذْكُورَةُ وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ بِجَوَازِ وُقُوعِ شَرْطِ إِذَا جُمْلَةً غَيْرَ فعلية وَهُوَ الرَّاجِع لِأَنَّ إِذَا غَيْرُ عَرِيقَةٍ فِي الشَّرْطِ. وَهَذَا الْأُسْلُوبُ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِذِكْرِ مَا أُسْنِدَتْ إِلَيْهِ الْأَفْعَالُ الَّتِي يَغْلِبُ أَنْ تَكُونَ شُرُوطًا لِ إِذَا لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَدْخَلُ فِي التَّهْوِيلِ
وَالتَّشْوِيقِ وَلِيُفِيدَ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ تَقَوِّيَ الْحُكْمِ وَتَأْكِيدَهُ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْجُمَلِ رَدًّا عَلَى إِنْكَارِ مُنْكِرِيهِ فَلِذَلِكَ قِيلَ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَلَمْ يُقَلْ: إِذَا كُوِّرَتِ الشَّمْسُ، وَهَكَذَا نَظَائِرُهُ.
وَجَوَابُ الشُّرُوطِ الِاثْنَيْ عَشَرَ هُوَ قَوْلُهُ: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الظُّرُوفُ الْمُشْرَبَةُ مَعْنَى الشَّرْطِ.
وَصِيغَةُ الْمَاضِي فِي الْجُمَلِ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ الْوَارِدَةِ شُرُوطًا لِ إِذَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِ الشَّرْطِ.
وَتَكْوِيرُ الشَّمْسِ: فَسَادُ جِرْمِهَا لِتَدَاخُلِ ظَاهِرِهَا فِي بَاطِنِهَا بِحَيْثُ يَخْتَلُّ تَرْكِيبُهَا فَيَخْتَلُّ لِاخْتِلَالِهِ نِظَامُ سَيْرِهَا، من قَوْلِهِمْ: كَوَّرَ الْعِمَامَةَ، إِذَا أَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ وَلَفَّهَا، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ إِطْلَاقُ الطَّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٤] .
وَفُسِّرَ كُوِّرَتْ بِمَعْنَى غُوِّرَتْ. رَوَاهُ الطَّبَرَيُّ عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ: هِيَ كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ عَنِ الْفَارِسِيَّةِ وَأَنَّ أَصْلَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كُورُ بِكْرْ (بِضَمِّ الْكَافِ الْأُولَى وَسُكُونِ الرَّاءِ الْأَخِيرَةِ) وَعَلَى ذَلِكَ عُدَّتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مِمَّا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُعَرَّبِ. وَقَدْ عَدَّهَا ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي نَظْمِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُعَرَّبَةِ فِي الْقُرْآنِ.
وَإِذَا زَالَ ضَوْءُ الشَّمْسِ انْكَدَرَتِ النُّجُومُ لِأَنَّ مُعْظَمَهَا يَسْتَنِيرُ مِنَ انْعِكَاسِ نُورِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا.
وَالِانْكِدَارُ: مُطَاوِعُ كَدَّرَهُ الْمُضَاعَفِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، أَيْ حَصَلَ لِلنُّجُومِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute