يَمْتَنِعْنَ مِنْ ذَلِكَ وَيَرَيْنَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ عَارًا عَلَيْهِنَّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْنَ قَطَعَهُنَّ أَقْرِبَاؤُهُنَّ.
وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفِقْهِ بِهِبَةِ بَنَاتِ الْقَبَائِلِ. وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّهَا مِنَ الْإِكْرَاهِ.
وَلَمْ يَكُنِ الْوَأْدُ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ، قِيلَ: أَوَّلُ مَنْ وَأَدَ الْبَنَاتِ مِنَ الْقَبَائِلِ رَبِيعَةُ، وَكَانَتْ كِنْدَةُ تَئِدُ الْبَنَاتِ، وَكَانَ بَنُو تَمِيمٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَوَأَدَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ مِنْ بني تَمِيم ثَمَان بَنَاتٍ لَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ.
وَلَمْ يَكُنِ الْوَأْدُ فِي قُرَيْشٍ الْبَتَّةَ. وَكَانَ صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ جَدُّ الْفَرَزْدَقِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَفْتَدِي مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيد وأد ابْنَته مِنْ قَوْمِهِ بِنَاقَتَيْنِ عُشَرَاوَيْنِ وَجَمَلٍ، فَقِيلَ: إِنَّهُ افْتَدَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْءُودَةً، وَقِيلَ: وَسَبْعِينَ وَفِي «الْأَغَانِي» : وَقِيلَ: أَرْبَعَمِائَةٍ.
وَفِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» : فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَقَدْ أَحْيَا سَبْعِينَ مَوْءُودَةً وَمِثْلُ هَذَا فِي «كِتَابِ الشُّعَرَاءِ» لِابْنِ قُتَيْبَةَ وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ فَلَعَلَّ فِي أَحَدِهِمَا تَحْرِيفًا.
وَفِي تَوْجِيهِ السُّؤَالِ إِلَى الْمَوْءُودَةِ: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ فِي ذَلِكَ الْحَشْرِ إِدْخَالُ الرَّوْعِ عَلَى مَنْ وَأَدَهَا، وَجَعْلُ سُؤَالِهَا عَنْ تَعْيِينِ ذَنْبٍ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلتَّعْرِيضِ بِالتَّوْبِيخِ وَالتَّخْطِئَةِ لِلَّذِي وَأَدَهَا وَلِيَكُونَ جَوَابُهَا شَهَادَةً عَلَى مَنْ وَأَدَهَا فَيَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ الْعِقَابَ أَشَدَّ وَأَظْهَرَ.
وَجُمْلَةُ: بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ سُئِلَتْ وَ (أَيُّ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ يُطْلَبُ بِهِ تَمَيُّزُ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ أَشْيَاءَ تَشْتَرِكُ مَعَهُ فِي حَالٍ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي بِأَيِّ ذَنْبٍ تَقْرِيرِيٌّ، وَإِنَّمَا سُئِلَتْ عَنْ تَعْيِينِ الذَّنْبِ الْمُوجِبِ قَتْلَهَا دُونَ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ قَاتِلِهَا لِزِيَادَةِ التَّهْدِيدِ لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ تَعْيِينِ الذَّنْبِ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَائِدِ الَّذِي يَسْمَعُ ذَلِكَ السُّؤَالَ أَنْ لَا ذَنْبَ لَهَا إِشْعَارٌ لِلْوَائِدِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِيمَا صَنَعَ بِهَا.
وَيُنْتَزَعُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ الْوَارِدِ فِي سِيَاقِ نَفْيِ ذَنْبٍ عَنِ الْمَوْءُودَةِ يُوجِبُ قَتْلَهَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتُوا مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ لَا يُعْتَبَرُونَ مُشْرِكِينَ مِثْلَ آبَائِهِمْ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَيْتُهُ تَعَرَّضَ لِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute