وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ [٤] .
وَعُمُومُ نَفْسٌ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَقْتَضِي عُمُومَ الْحُكْمِ فِي كُلِّ نَفْسٍ.
وشَيْئاً اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْمَوْجُودِ، وَهُوَ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ يُفَسِّرُهُ مَا يَقْتَرِنُ بِهِ فِي الْكَلَامِ مِنْ تَمْيِيزٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ مِنَ السِّيَاقِ، وَيُبَيِّنُهُ هُنَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ فِعْلُ لَا تَمْلِكُ وَلَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ شَيْئًا يُغْنِي عَنْهَا وَيَنْفَعُهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٦٧] ، فَانْتَصَبَ شَيْئاً عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لِفِعْلِ لَا تَمْلِكُ، أَيْ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهَا شَيْءٌ يَنْفَعُ نَفْسًا أُخْرَى.
وَهَذَا يُفِيدُ تَأْيِيسَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَنْ تَنْفَعَهُمْ أَصْنَامُهُمْ يَوْمَئِذٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ [الْأَنْعَام: ٩٤] .
وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وَجُمْلَةُ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ تَذْيِيلٌ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْرُ لِلِاسْتِغْرَاقِ. وَالْأَمْرُ هُنَا بِمَعْنَى: التَّصَرُّفِ وَالْإِذْنِ وَهُوَ وَاحِدُ الْأَوَامِرِ، أَيْ لَا يَأْمُرُ إِلَّا اللَّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مُرَادِفًا لِلشَّيْءِ فَتَغْيِيرُ التَّعْبِيرِ لِلتَّفَنُّنِ.
وَالتَّعْرِيفُ عَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ الْمُسْتَعْمَلِ لِإِرَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ، فَيَعُمُّ كُلَّ
الْأُمُورِ وَبِذَلِكَ الْعُمُومِ كَانَتِ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلًا.
وَأَفَادَتْ لَامُ الِاخْتِصَاصِ مَعَ عُمُومِ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا أَمْرَ يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا يَصْدُرُ مِنْ غَيْرِهِ فِعْلٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ صِيغَةُ حَصْرٍ وَلَكِنَّهُ آيِلٌ إِلَى مَعْنَى الْحَصْرِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] .
وَفِي هَذَا الْخِتَامِ رَدُّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ لِأَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ ابْتُدِئْ بِالْخَبَرِ عَنْ بَعْضِ أَحْوَالِ يَوْمِ الْجَزَاءِ وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute