إِلَى هُنَا مَزِيدَ اتِّضَاحٍ، وَذَلِكَ مِمَّا أَغْفَلَ الْمُفَسِّرُونَ الْعِنَايَةَ بِتَوْضِيحِهِ، سِوَى أَنَّ ابْنَ عَطِيَّةَ أَوْرَدَ كَلِمَةً مُجْمَلَةً فَقَالَ: «وَلَمَّا كَانَتِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ قَدْ نِيطَتْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ الْوَيْلَ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ سَاغَ أَنْ يَقُولَ: فَالْيَوْمَ عَلَى حِكَايَةِ مَا يُقَالُ اهـ.
وإِذا
فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُسْتَعْمَلٌ لِلزَّمَانِ الْمَاضِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً [التَّوْبَة: ٩٢] وَقَوْلِهِ: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ [النِّسَاء: ٨٣] .
وَالْمَقْصُود من ذِكْرِهِ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَالَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حِدَةٍ، وَذَكَرَ حَالَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حِدَةٍ، أَعْقَبَ بِمَا فِيهِ صِفَةٌ لِعَاقِبَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا لِيَعْلَمُوا جَزَاءَ الْفَرِيقَيْنِ مَعًا.
وَإِصْدَارُ ذَلِكَ الْمَقَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّنْدِيمِ وَالتَّشْمِيتِ كَمَا اقْتَضَتْهُ خُلَاصَتُهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَالِافْتِتَاحُ بِ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بِصُورَةِ الْكَلَامِ الْمُؤَكَّدِ لِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِالْكَلَامِ وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ الْمُرَادِ إِعْلَانُهُ لِيَتَوَجَّهَ بِذَلِكَ الِافْتِتَاحِ جَمِيعُ السَّامِعِينَ إِلَى اسْتِمَاعِهِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ خَبَرٌ مُهِمٌّ. وَالْمُرَادُ بِ الَّذِينَ أَجْرَمُوا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَخَاصَّةً صَنَادِيدُهُمْ.
وَهُمْ أَبُو جَهْلٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، كَانُوا يَضْحَكُونَ مِنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَخِبَابِ بْنِ الْأَرَتِّ، وَبِلَالٍ، وَصُهَيْبٍ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِمْ.
وَعَبَّرَ بِالْمَوْصُولِ وَهَذِهِ الصِّلَةِ: الَّذِينَ أَجْرَمُوا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَن مَا أخبر بِهِ عَنْهُمْ هُوَ إِجْرَامٌ، وَلِيَظْهَرَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: ٣٦] .
وَالْإِجْرَامُ: ارْتِكَابُ الْجُرْمِ وَهُوَ الْإِثْمُ الْعَظِيمُ، وَأَعْظِمْ بالإجرام الْكفْر وَيُؤذن تَرْكِيبُ «كَانُوا يَضْحَكُونَ» بِأَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ مُلَازِمَةٌ لَهُمْ فِي الْمَاضِي، وَصَوْغُ يَضْحَكُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ دَيْدَنٌ لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute