وَ (مَا وَسَقَ) (مَا) فِيهِ مَصْدَرِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولَةً عَلَى طَرِيقَةِ حَذْفِ الْعَائِدِ الْمَنْصُوبِ.
وَالْوَسْقُ: جَمْعُ الْأَشْيَاء بَعْضهَا إِلَى بَعْضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَمَا جَمَعَ مِمَّا كَانَ مُنْتَشِرًا فِي النَّهَارِ مِنْ نَاسٍ وَحَيَوَانٍ فَإِنَّهَا تَأْوِي فِي اللَّيْلِ إِلَى مَآوِيهَا وَذَلِكَ مِمَّا جَعَلَ اللَّهُ فِي الْجِبِلَّةِ مِنْ طَلَبِ الْأَحْيَاءِ السُّكُونَ فِي اللَّيْلِ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [الْقَصَص: ٧٣] ، وَذَلِكَ مِنْ بَدِيعِ التَّكْوِينِ فَلِذَلِكَ أَقْسَمَ بِهِ قَسَمًا أُدْمِجَتْ فِيهِ مِنَّةٌ. وَقِيلَ: مَا وَسَقَهُ اللَّيْلُ: النُّجُومُ، لِأَنَّهَا تَظْهَرُ فِي اللَّيْلِ، فَشَبَّهَ ظُهُورَهَا فِيهِ بِوَسْقِ الْوَاسِقِ أَشْيَاءَ مُتَفَرِّقَةً. وَهَذَا أَنْسَبُ بِعَطْفِ الْقَمَرِ عَلَيْهِ.
وَاتِّسَاقُ الْقَمَرِ: اجْتِمَاعُ ضِيَائِهِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنَ الْوَسْقِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ، وَتَقْيِيدُ الْقَسَمِ بِهِ بِتِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهَا مَظْهَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ بِضِيَائِهِ.
وَأَصْلُ فعل اتّسق: اَوْ تسق قُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً فَوْقِيَّةً طَلَبًا لِإِدْغَامِهَا فِي تَاءِ الِافْتِعَالِ وَهُوَ قَلْبٌ مُطَّرِدٌ.
وَجُمْلَةُ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ نُسِجَ نَظْمُهَا نَسْجًا مُجْمَلًا لِتَوْفِيرِ الْمَعَانِي الَّتِي تَذْهَبُ إِلَيْهَا أَفْهَامُ السَّامِعِينَ، فَجَاءَتْ عَلَى أَبْدَعِ مَا يُنْسَجُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الَّذِي يُرْسَلُ إِرْسَالَ الْأَمْثَالِ مِنَ الْكَلَامِ الْجَامِعِ الْبَدِيعِ النَّسْجِ الْوَافِرِ الْمَعْنَى وَلِذَلِكَ كَثُرَتْ تَأْوِيلَاتُ الْمُفَسِّرِينَ لَهَا.
فَلِمَعَانِي الرُّكُوبِ الْمَجَازِيَّةِ، وَلِمَعَانِي الطَّبَقِ مِنْ حَقِيقِيٍّ وَمَجَازِيٍّ، مُتَّسَعٌ لِمَا تُفِيدُهُ الْآيَةُ مِنَ الْمَعَانِي، وَذَلِكَ مَا جَعَلَ لِإِيثَارِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خُصُوصِيَّةً مِنْ أَفْنَانِ الْإِعْجَازِ الْقُرْآنِيِّ.
فَأَمَّا فِعْلُ لَتَرْكَبُنَّ فَحَقِيقَتُهُ مُتَعَذَّرَةٌ هُنَا وَلَهُ مِنَ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي
الْكَلَامِ أَوِ الَّتِي يَصِحُّ أَنْ تُرَادَ فِي الْآيَةِ عِدَّةٌ، مِنْهَا الْغَلَبُ وَالْمُتَابَعَةُ، وَالسُّلُوكُ، وَالِاقْتِحَامُ، وَالْمُلَازَمَةُ، وَالرِّفْعَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute