وَجُمْلَةُ وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي قبلهَا.
وَالْمَقْصُود التعجيب مِنْ ظُلْمِ أَهْلِ الْأُخْدُودِ أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْفَظَاعَةِ لَا لجرم من شَأْنِهِ أَنْ يُنْقَمَ مِنْ فَاعِلِهِ فَإِنْ كَانَ الَّذِينَ خَدَّدُوا الْأُخْدُودَ يَهُودًا كَمَا كَانَ غَالِبُ أَهْلِ الْيَمَنِ يَوْمَئِذٍ فَالْكَلَامُ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ أَيْ مَا نَقَمُوا مِنْهُمْ شَيْئًا يُنْقَمُ بَلْ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ كَمَا آمَنَ بِهِ الَّذِينَ عذبوهم. وَمحل التعجيب أَنَّ الْمَلِكَ ذَا نُوَاسٍ وَأَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا مُتَهَوِّدِينَ فَهُمْ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَلَا يُشْرِكُونَ بِهِ فَكَيْفَ يُعَذِّبُونَ قَوْمًا آمَنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ مِثْلَهُمْ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ [الْمَائِدَة: ٥٩] وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ خَدَّدُوا الْأُخْدُودَ مُشْرِكِينَ (فَإِنَّ عَرَبَ الْيَمَنِ بَقِيَ فِيهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ) فَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ لِأَنَّ شَأْنَ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ أَنْ يَكُونَ مَا يُشْبِهُ ضِدَّ الْمَقْصُودِ هُوَ فِي الْوَاقِعِ مِنْ نَوْعِ الْمَقْصُودِ فَلِذَلِكَ يُؤَكَّدُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَلِكَ وَجُنْدَهُ نَقَمُوا مِنْهُمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ حَقِيقَةً إِنْ كَانَ الْمَلِكُ مُشْرِكًا.
وَإِجْرَاءُ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهِيَ: الْعَزِيزِ. الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ أَنَّ مَا نَقَمُوهُ مِنْهُمْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُنْقَمَ بَلْ هُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُمْدَحُوا بِهِ لِأَنَّهُمْ آمَنُوا بِرَبٍّ حَقِيقٍ بِأَنْ يُؤْمَنَ بِهِ لِأَجْلِ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقْتَضِي عِبَادَتَهُ وَنَبْذَ مَا عَدَاهُ لِأَنَّهُ يَنْصُرُ مَوَالِيَهُ وَيُثِيبُهُمْ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ، وَمَا عَدَاهُ ضَعِيفُ الْعِزَّةِ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ وَلَا
يَمْلِكُ مِنْهُمْ شَيْئًا فَيَقْوَى التَّعْجِيبُ مِنْهُمْ بِهَذَا.
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ تَذْيِيلٌ بِوَعِيدٍ لِلَّذِينَ اتَّخَذُوا الْأُخْدُودَ وَبِوَعْدِ الَّذِينَ عُذِّبُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ، وَوَعِيدٌ لِأَمْثَالِ أُولَئِكَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ مَنْ تَصَدَّوْا لِأَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَوَعْدُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ عَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِثْلَ بِلَالٍ وَعَمَّارٍ وصهيب وسميّة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute