للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجَاءَ فِي آيَةِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ [الْوَاقِعَة: ٧٧، ٧٨] وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، وَالْكِتَابَ الْمَكْنُونَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا الْمَحْفُوظُ وَالْمَكْنُونُ فَبَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ فِي الْمَفْهُومِ وَعُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ فِي الْوُقُوعِ، فالمحفوظ: المصون عَن كُلِّ مَا يَثْلِمُهُ وَيَنْقُصُهُ وَلَا يَلِيقُ بِهِ وَذَلِكَ كَمَالٌ لَهُ.

وَالْمَكْنُونُ: الَّذِي لَا يُبَاحُ تَنَاوُلُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَذَلِكَ لِلْخَشْيَةِ عَلَيْهِ لِنَفَاسَتِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي ذِكْرِ اللَّوْحِ وَلَا فِي خَصَائِصِهِ وَكُلُّ مَا هُنَالِكَ أَقْوَالٌ مَعْزُوَّةٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ لَا تُعْرَفُ أَسَانِيدُ عَزْوِهَا.

وَوَرَدَ أَنَّ الْقَلَمَ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ اهـ.

وَخَلْقُ الْقَلَمِ لَا يَدُلُّ عَلَى خَلْقِ اللَّوْحِ لِأَنَّ الْقَلَمَ يَكْتُبُ فِي اللَّوْحِ وَفِي غَيْرِهِ.

وَالْمَجِيدُ: الْعَظِيمُ فِي نَوْعِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج: ١٥] وَمُجِّدَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَأَكْثَرُهَا مَعَانِيَ وَهَدْيًا وَوَعْظًا، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا بِبَلَاغَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ وَإِعْجَازِهِ الْبَشَرَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ.

وَوَقَعَ فِي «التَّعْرِيفَاتِ» لِلسَّيِّدِ الْجُرْجَانِيِّ: أَنَّ الْأَلْوَاحَ أَرْبَعَةٌ:

أَوَّلُهَا: لَوْحُ الْقَضَاءِ السَّابِقُ عَلَى الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ لَوْحُ الْعَقْلِ الْأَوَّلِ.

الثَّانِي: لَوْحُ الْقَدَرِ أَيِ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْكُلِّيَّةُ وَهُوَ الْمُسَمَّى اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ.

الثَّالِثُ: لَوْحُ النَّفْسِ الْجُزْئِيَّةِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي يُنْتَقَشُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ بِشَكْلِهِ وَهَيْئَتِهِ وَمِقْدَارِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا.

الرَّابِعُ: لَوْحُ الْهَيُولَى الْقَابِلُ لِلصُّورَةِ فِي عَالَمِ الشَّهَادَة اهـ.

وَهَذَا اصْطِلَاحٌ مَخْلُوطٌ بَيْنَ التَّصَوُّفِ وَالْفَلْسَفَةِ. وَلَعَلَّهُ مِمَّا اسْتَقْرَاهُ السَّيِّدُ مِنْ كَلَامِ

عِدَّةِ عُلَمَاءَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَحْفُوظٍ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ لَوْحٍ وَحِفْظُ اللَّوْحِ الَّذِي فِيهِ الْقُرْآنُ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِ الْقُرْآنِ.