وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ فِي سُورَةِ الشُّورَى [١٧] ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الْحَاقَّةُ: ٣] وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ: مَا يُدْرِيكَ، وَمَا أَدْرَاكَ.
وَقَوْلُهُ: النَّجْمُ خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ، أَيِ الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ.
وَالثَّقْبُ: خَرْقُ شَيْءٍ مُلْتَئِمٍ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِظُهُورِ النُّورِ فِي خِلَالِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ. شَبَّهَ النَّجْمَ بِمِسْمَارٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَظُهُورَ ضَوْئِهِ بِظُهُورِ مَا يَبْدُو مِنَ الْمِسْمَارِ مِنْ خِلَالِ الْجِسْمِ الَّذِي يَثْقُبُهُ مِثْلَ لَوْحٍ أَوْ ثَوْبٍ.
وَأَحْسَبُ أَنَّ اسْتِعَارَةَ الثَّقْبِ لِبُرُوزِ شُعَاعِ النَّجْمِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَرِدْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ. وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ [١٠] ، وَوَقَعَ فِي «تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ» : وَالْعَرَبُ تَقُولُ اثْقُبْ نَارَكَ، أَيْ أَضِئْهَا، وَسَاقَ بَيْتًا شَاهِدًا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى قَائِلٍ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّجْمُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:
أَقُولُ وَالنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ أَوَاخِرُهُ ... الْبَيْتَ فَيَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ النُّجُومِ اسْتِغْرَاقًا حَقِيقِيًّا وَكُلُّهَا ثَاقِبٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ، وَالنُّجُومُ، إِلَّا أَنَّ صِيغَةَ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ: الثَّاقِبُ ظَاهِرٌ فِي إِرَادَةِ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنَ النُّجُومِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ إِشَارَةً إِلَى نَجْمٍ مَعْرُوفٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّجْمِ غَالِبًا، أَيْ وَالنَّجْمُ الَّذِي هُوَ طَارِقٌ.
وَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ نَجْمًا يَطْلُعُ فِي أَوَائِلِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَهِيَ الْوَقْتُ الْمَعْهُودُ لِطُرُوقِ الطَّارِقِينَ مِنَ السَّائِرِينَ. وَلَعَلَّ الطَّارِقَ هُوَ النَّجْمُ الَّذِي يُسَمَّى الشَّاهِدُ، وَهُوَ نَجْمٌ يَظْهَرُ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ «صَلَاةَ الشَّاهِدِ» .
رَوَى النَّسَائِيُّ: «أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ» (أَيْ الْعَصْرِ) فُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا» إِلَى قَوْلِهِ: «وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ»
. وَقِيلَ: أُرِيدَ بِ الطَّارِقِ نَوْعُ الشُّهُبِ، رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّ النَّجْمَ الطَّارِقَ هُوَ كَوْكَبُ زُحَلَ (لِأَنَّهُ مُبْرَزٌ عَلَى الْكَوَاكِبِ بِقُوَّةِ شُعَاعِهِ) . وَعَنْهُ: أَنَّهُ الثُّرَيَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute