للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى فَهُوَ اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ قَوْلِهِ: فَذَكِّرْ وَمَا لَحِقَهُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِهِ:

إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى الْمُشْعِرِ بِأَنَّ التَّذْكِيرَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ جَمِيعُ الْمُذَكَّرِينَ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَنْفَعُ أَوْلِيَائِي وَلَا تَنْفَعُ أَعْدَائِي، وَفِي هَذَا مَا يُرِيكَ مَعْنَى الْآيَةِ وَاضِحًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ حَيْرَةَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي تَأْوِيلِ مَعْنَى (إِنْ) ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْفَرَّاءِ وَالنُّحَاسِ: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ وَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَسَمِ الْوَاحِدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الثَّانِي.

وَيَذَّكَّرُ: مُطَاوِعُ ذَكَّرَهُ. وَأَصْلُهُ: يَتَذَكَّرُ، فَقُلِبَتِ التَّاءُ ذَالًا لقرب مخرجيهما ليتأتى إِدْغَامُهَا فِي الذَّالِ الْأُخْرَى.

ومَنْ يَخْشى: جِنْسٌ لَا فَرْدٌ مُعَيَّنٌ أَيْ سَيَتَذَكَّرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ. وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يَخْشى مُرَاعًى فِيهِ لَفْظُ (مِنْ) فَإِنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ.

وَقَدْ نُزِّلَ فِعْلُ يَخْشى مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ فَلَمْ يقدّر لَهُ مفعول، أَيْ يَتَذَكَّرُ مِنَ الْخَشْيَةِ فِكْرَتَهُ وَجِبِلَّتَهُ، أَيْ مَنْ يَتَوَقَّعُ حُصُولَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَيَنْظُرُ فِي مَظَانِّ كُلٍّ وَيَتَدَبَّرُ فِي الدَّلَائِلِ

لِأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَحِقَّ عَلَيْهِ مَا أُنْذِرَ بِهِ.

وَالْخَشْيَةُ: الْخَوْفُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فِي سُورَةِ طه [٤٤] وَالْخَشْيَةُ ذَاتُ مَرَاتِبَ وَفِي دَرَجَاتِهَا يَتَفَاضَلُ الْمُؤْمِنُونَ.

وَالتَّجَنُّبُ: التَّبَاعُدُ، وَأَصْلُهُ تَفَعَّلَ لِتَكَلُّفِ الْكَيْنُونَةِ بِجَانِبٍ مِنْ شَيْءٍ.

وَالْجَانِبُ: الْمَكَانُ الَّذِي هُوَ طَرَفٌ لِغَيْرِهِ، وَتَكَلُّفُ الْكَيْنُونَةِ بِهِ كِنَايَةٌ عَنْ طَلَبِ الْبُعْدِ أَيْ بِمَكَانٍ بَعِيدٍ مِنْهُ، أَيْ يَتَبَاعَدُ عَنِ الذِّكْرَى الْأَشْقَى.

والتعريف فيْ َشْقَى

تَعْرِيفُ الْجِنْسِ، أَي الأشقون.

وَْشْقَى

: هُوَ الشَّديد الشِّقْوَةِ، وَالشِّقْوَةُ وَالشَّقَاءُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ الْحَالَةُ النَّاشِئَةُ فِي الْآخِرَةِ عَنِ الْكُفْرِ مِنْ حَالَةِ الْإِهَانَةِ وَالتَّعْذِيبِ، وَعِنْدَنَا أَنَّ مِنْ عُلِمَ إِلَى مَوْتِهِ مُؤْمِنًا فَلَيْسَ بِشَقِيٍّ.

فَالْأَشْقَى: هُوَ الْكَافِرُ لِأَنَّهُ أَشَدُّ النَّاسِ شَقَاءً فِي الْآخِرَةِ لِخُلُودِهِ فِي النَّارِ.