مِنْ تَوَقُّعِ مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمْ بِمِثْلِ مَا عَامَلَ بِهِ الْمُكَذِّبِينَ الْأَوَّلِينَ. أَيْ أَنَّ اللَّهَ بِالْمِرْصَادِ لِكُلِّ طَاغٍ مُفْسِدٍ.
وَعَلَى كَوْنِهَا جَوَابَ الْقَسَمِ تَكُونُ كِنَايَةً عَنْ تَسْلِيطِ الْعَذَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ لَا يُرَادُ مِنَ الرَّصْدِ إِلَّا دَفْعُ الْمُعْتَدِي مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ وَمَا قَبْلَهُ اعْتِرَاضًا تَفَنُّنًا فِي نَظْمِ الْكَلَامِ إِذْ قُدِّمَ عَلَى الْمَقْصُودِ بِالْقَسَمِ مَا هُوَ اسْتِدْلَالٌ عَلَيْهِ وَتَنْظِيرٌ بِمَا سَبَقَ مِنْ عِقَابِ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِلَخْ، وَهُوَ أُسْلُوبٌ مِنْ أَسَالِيبِ الْخَطَابَةِ إِذْ يُجْعَلُ الْبَيَانُ وَالتَّنْظِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَدِّمَةِ وَيُجْعَلُ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ بِمَنْزِلَةِ النَّتِيجَةِ وَالْعِلَّةِ إِذَا كَانَ الْكَلَامُ صَالِحًا لِلِاعْتِبَارَيْنِ مَعَ قَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِالْمُقَدَّمِ وَالْمُبَادِرَةِ بِهِ.
وَالْعُدُولُ عَنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ أَوِ اسْمِ الْجَلَالَةِ إِلَى رَبُّكَ فِي قَوْلِهِ: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ وَقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ رَبُّهُ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَنْتَصِرَ لَهُ، فَهُوَ مُؤَمِّلٌ بِأَنْ يُعَذِّبَ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ انْتِصَارًا لَهُ انْتِصَارَ الْمَوْلَى لِوَلِيِّهِ.
وَالْمِرْصَادُ: الْمَكَانُ الَّذِي يَتَرَقَّبُ فِيهِ الرَّصَدُ، أَيِ الْجَمَاعَةُ الْمُرَاقِبُونَ شَيْئًا، وَصِيغَةُ مِفْعَالٍ تَأْتِي لِلْمَكَانِ وَلِلزَّمَانِ كَمَا تَأْتِي لِلْآلَةِ، فَمَعْنَى الْآلَةِ هُنَا غَيْرُ مُحْتَمَلٍ، فَهُوَ هُنَا إِمَّا لِلزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ إِذِ الرَّصْدُ التَّرَقُّبُ.
وَتَعْرِيفُ «الْمِرْصَادِ» تَعْرِيفُ الْجِنْسِ وَهُوَ يُفِيدُ عُمُومَ الْمُتَعَلِّقِ، أَيْ بِالْمِرْصَادِ لِكُلِّ فَاعِلٍ، فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِعُمُومِ علم الله تَعَالَى بِمَا يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ وَحَرَكَاتِهِمْ، بِحَالِ اطِّلَاعِ الرَّصَدِ عَلَى تَحَرُّكَاتِ الْعَدُوِّ وَالْمُغِيرِينَ، وَهَذَا الْمَثَلُ كِنَايَةٌ عَنْ مُجَازَاةِ كُلِّ عَامِلٍ بِمَا عمله وَمَا يعمله إِذْ لَا يُقْصَدُ الرَّصْدُ إِلَّا لِلْجَزَاءِ عَلَى الْعُدْوَانِ، وَفِي مَا يُفِيدُهُ مِنَ التَّعْلِيلِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَظْلِمْهُمْ فِيمَا أَصَابَهُمْ بِهِ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْله لَبِالْمِرْصادِ لِلظَّرْفِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute