للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يَسْأَلُوا عَنِ الْمَالِ الْمُنْفَقِ بِمَعْنَى السُّؤَالِ عَنِ النَّوْعِ الَّذِي يُنْفَقُ مِنْ ذَهَبٍ أَمْ مِنْ وَرِقٍ أَمْ مِنْ طَعَامٍ، لِأَنَّ هَذَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ أَغْرَاضُ الْعُقَلَاءِ، إِذْ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنِ الْإِنْفَاقِ إِيصَالُ النَّفْعِ لِلْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ كَيْفِيَّاتِ الْإِنْفَاقِ وَمَوَاقِعِهِ، وَلَا يُرِيبُكُمْ فِي هَذَا أَنَّ السُّؤَالَ هُنَا وَقَعَ بِمَا وَهِيَ يَسْأَلُ بِهَا عَنِ الْجِنْسِ لَا عَنِ الْعَوَارِضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ اصْطِلَاحٌ مَنْطِقِيٌّ لِتَقْرِيبِ مَا تَرْجَمُوهُ مِنْ تَقْسِيمَاتٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى اللُّغَةِ الْيُونَانِيَّةِ وَأَخَذَ بِهِ السَّكَّاكِيُّ، لِأَنَّهُ يَحْفِلُ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَنْطِقِ وَذَلِكَ لَا يَشْهَدُ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِيُّ.

وَالْخَيْرُ: الْمَالُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [الْبَقَرَة: ١٨٠] آيَةِ الْوَصِيَّةِ.

وَمَا أَنْفَقْتُمْ شَرْطٌ، فَفِعْلُ أَنْفَقْتُمْ مُرَادٌ بِهِ الِاسْتِقْبَالُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الشَّرْطِ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي لِإِظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِي حُصُولِ الشَّرْطِ فَيَنْزِلُ كَالْحَاصِلِ الْمُتَقَرِّرِ.

وَاللَّام فِي فَلِلْوالِدَيْنِ لِلْمِلْكِ، بِمَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ أَيْ فالحقيق بِهِ الْوَالِدين أَيْ إِنْ تُنْفِقُوا فَأَنْفِقُوا لِلْوَالِدَيْنِ أَوْ أَعْطُوا لِلْوَالِدَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى [الْبَقَرَة: ١٧٧] الْآيَةَ.

وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ، وَهِيَ فِي النَّفَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ حَقِّ الْمَالِ أَعْنِي الزَّكَاةَ وَلَا هِيَ مِنْ حَقِّ الذَّاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا ذَاتٌ كَالزَّوْجَةِ، بَلْ هَذِهِ النَّفَقَةُ الَّتِي هِيَ مَنْ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِكِفَايَةِ الْحَاجَةِ وَلِلتَّوْسِعَةِ وَأَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَقُومَ بِهَا أَشَدُّهُمْ قُرَابَةً بِالْمُعْوِزِينَ مِنْهُمْ، فَمِنْهَا وَاجِبَةٌ كَنَفَقَةِ الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّكَسُّبِ أَوْ يَنْتَقِلَ حَقُّ الْإِنْفَاقِ إِلَى غَيْرِ الْأَبَوَيْنِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِحَسَبِ عَادَةِ أَمْثَالِهِمْ، وَفِي تَحْدِيدِ الْقُرْبَى الْمُوجِبَةِ لِلْإِنْفَاقِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ. فَلَيْسَتْ هَاتِهِ الْآيَةُ بِمَنْسُوخَةٍ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، إِذْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا حَتَّى نَحْتَاجَ لِلنَّسْخِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ هَاتِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ.

وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْغَرِيبُ عَنِ الْحَيِّ الْمَارِّ فِي سَفَرِهِ، يُنْفَقُ عَلَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ تَذْيِيلٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ الْكِنَايَةُ عَنِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْعَلِيمَ الْقَدِيرَ إِذَا امْتَثَلَ أَحَدٌ لِأَمْرِهِ لَا يَحُولُ بَيْنَهُ

وَبَيْنَ جَزَائِهِ عَلَيْهِ حَائِلٌ. وَشَمَلَ عُمُومُ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ الْأَفْعَالَ الْوَاجِبَةَ وَالْمُتَطَوَّعَ بِهَا فَيَعُمُّ النَّفَقَات وَغَيرهَا.