وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ تَحَاضُّونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَأَلِفٍ بَعْدَهَا مُضَارِعُ حَاضَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَصْلُهُ تَتَحَاضُّونُ فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اخْتِصَارًا للتَّخْفِيف أَي تتمالؤون عَلَى تَرْكِ الْحَضِّ عَلَى الْإِطْعَامِ.
والتُّراثَ: الْمَالُ الْمَوْرُوثُ، أَيِ الَّذِي يُخْلِفُهُ الرَّجُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَارِثِهِ وَأَصْلُهُ:
وُرَاثٌ بِوَاوٍ فِي أَوَّلِهِ بِوَزْنِ فُعَالٍ مِنْ مَادَّةِ وَرِثَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلَ الدُّقَاقِ، وَالْحُطَامِ، أُبْدِلَتْ وَاوُهُ تَاءً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَمَا فَعَلُوا فِي تُجَاهَ، وَتُخَمَةٍ، وَتُهْمَةٍ، وَتُقَاةٍ وَأَشْبَاهِهَا.
وَالْأَكْلُ: مُسْتَعَارٌ لِلِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ انْتِفَاعًا لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا. وَأَحْسِبُ أَنَّ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ إِذْ لَمْ أَقِفْ عَلَى مِثْلِهَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَتَعْرِيفُ التُّرَاثِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ تُرَاثُ الْيَتَامَى وَكَذَلِكَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَمْنَعُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مِنْ أَمْوَالِ مُوَرِّثِيهِمْ.
وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: تَأْكُلُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ التُّرَاثُ الَّذِي لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، وَمِنْهُ يَظْهَرُ وَجْهُ إِيثَارِ لَفْظِ التُّرَاثِ دُونَ أَنْ يُقَالَ: وَتَأْكُلُونَ الْمَالَ لِأَنَّ التُّرَاثَ مَالٌ مَاتَ صَاحِبُهُ وَأَكْلُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ ذَلِكَ الْمَالَ عَاجِزٌ عَنِ الذَّبِّ عَنْ مَالِهِ لِصِغَرٍ أَوْ أُنُوثَةٍ.
وَاللَّمُّ: الْجَمْعُ، وَوَصْفُ الْأَكْلِ بِهِ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ لِلْمُبَالَغَةِ، أَيْ أَكْلًا جَامِعًا مَالَ الْوَارِثِينَ إِلَى مَالِ الْآكِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاء: ٢] .
وَالْجَمُّ: الْكَثِيرُ، يُقَالُ: جَمَّ الْمَاءُ فِي الْحَوْضِ، إِذَا كَثُرَ، وَبِئْرٌ جَمُومٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ:
كَثِيرَةُ الْمَاءِ، أَيْ حُبًّا كَثِيرًا، وَوَصْفُ الْحُبِّ بِالْكَثْرَةِ مُرَادٌ بِهِ الشِّدَّةُ لِأَنَّ الْحُبَّ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةِ لَا يُوصَفُ بِالْكَثْرَةِ الَّتِي هِيَ وَفْرَةُ عَدَدِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ.
فَالْجَمُّ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى الْقَوِيِّ الشَّدِيدِ، أَيْ حُبًّا مُفْرِطًا، وَذَلِكَ مَحَلُّ ذَمِّ حُبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ إِفْرَادَ حُبِّهِ يُوقِعُ فِي الْحِرْصِ عَلَى اكْتِسَابِهِ بِالْوَسَائِلِ غَيْرِ الْحَقِّ كَالْغَصْبِ وَالِاخْتِلَاسِ
وَالسَّرِقَةِ وَأَكَلِ الْأَمَانَاتِ