للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَدِيثَ، وَفِي «الْمُوَطَّأِ» :

«قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ (أَيْ يَوْمَ الْفَتْحِ) مُحْرِمًا» .

وَيُثَارُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَحَامِلِ النَّظَرُ فِي جَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ لِغَيْرِ مُرِيدِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ. قَالَ الْبَاجِيُّ فِي «الْمُنْتَقَى» وَابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» : الدَّاخِلُ مَكَّةَ غَيْرَ مُرِيدِ النُّسُكِ، لِحَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابِ الْفَوَاكِهِ وَالْمَعَاشِ هَؤُلَاءِ يَجُوزُ دُخُولُهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ لِأَنَّهُمْ لَوْ كُلِّفُوا الْإِحْرَامَ لَحِقَتْهُمْ مَشَقَّةٌ. وَإِنْ كَانَ دُخُولُهَا لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْإِحْرَامِ، وَرُوِيَ عَنْهُ تَرْكُهُ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ، فَإِنْ تَرَكَهُ قَالَ الْبَاجِيُّ: فَالظَّاهِرُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَمْ يُفَصِّلْ أَهْلُ

الْمَذْهَبِ بَيْنَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ.

وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِنْ لَمْ يُرِدْ نُسُكًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ خَارِجِ الْمَوَاقِيتِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِدُخُولِ مَكَّةَ دُونَ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى تَكَرُّرِ الدُّخُولِ أَوْ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى سُقُوطِ الْإِحْرَامِ عَنْ غَيْرِ قَاصِدِ النُّسُكِ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ مُوَافِقٌ مَذْهَبَ مَالِكٍ.

وَحَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَوِّلِينَ: أَنَّ مَعْنَى وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ أَنَّهُ حَالٌّ، أَيْ سَاكِنٌ بِهَذَا الْبَلَدِ اهـ. وَجَعَلَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَوْلًا وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى قَائِلٍ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ كَذَلِكَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ وَأَنْتَ حِلٌّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ أُقْسِمُ فَيَكُونُ الْقَسَمُ بِالْبَلَدِ مُقَيَّدًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ بَلَدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ جَمِيلٌ لَوْ سَاعَدَ عَلَيْهِ ثُبُوتُ اسْتِعْمَالِ حِلٌّ بِمَعْنَى: حَالٌّ، أَيْ مُقِيمٌ فِي مَكَانٍ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَرِدْ فِي كُتُبِ اللُّغَة: «الصِّحَاح» و «اللِّسَان» و «الْقَامُوس» و «مُفْرَدَات الرَّاغِبِ» . وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهِ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ، وَلَا أَحْسِبُ إِعْرَاضَهُ عَنْهُ إِلَّا لِعَدَمِ ثِقَتِهِ بِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ، وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ:

وَالْحِلُّ: صِفَةٌ أَوْ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْحَالِّ هُنَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا عِبْرَة بِمن أَنْكَرَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ» اهـ وَكَيْفَ يُقَالُ: لَا عِبْرَةَ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَهَلِ الْمَرْجِعُ فِي إِثْبَاتِ اللُّغَةِ إلّا كتب أئمتها.