للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنِ الْإِخْبَارِ لَازِمَ الْفَائِدَةِ، أَعْنِي كَتَبْنَاهُ عَلَيْكُمْ وَنَحْنُ عَالِمُونَ أَنَّهُ شَاقٌّ عَلَيْكُمْ، وَرُبَّمَا رُجِحَ هَذَا الْوَجْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

وَالْكُرْهُ بِضَمِّ الْكَافِ: الْكَرَاهِيَةُ وَنُفْرَةُ الطَّبْعِ مِنَ الشَّيْءِ وَمِثْلُهُ الْكُرْهُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الْكُرْهُ بِالضَّمِّ الْمَشَقَّةُ وَنُفْرَةُ الطَّبْعِ، وَبِالْفَتْحِ هُوَ الْإِكْرَاهُ وَمَا يَأْتِي عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْجَبْرِ عَلَى فِعْلٍ مَا بِأَذًى أَوْ مَشَقَّةٍ، وَحَيْثُ قُرِئَ بِالْوَجْهَيْنِ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً [الْأَحْقَاف: ١٥] وَلَمْ يَكُنْ هُنَا وَلَا هُنَا لَك مَعْنًى لِلْإِكْرَاهِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ وَإِبَايَةِ الطَّبْعِ كَمَا قَالَ الْحَمَاسِيُّ الْعُقَيْلِيُّ:

بِكُرْهِ سُرَاتِنَا يَا آلَ عَمْرٍو ... نُغَادِيكُمْ بِمُرْهَفَةِ النِّصَالِ

رَوَوْهُ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِفَتْحِهَا.

عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الْوَارِدَ مَوْرِدَ التَّذْيِيلِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا قَبْلَهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ لِيَكُونَ جُزْئِيًّا مِنْ جُزْئِيَّاتِ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئا.

وَقد تحمل صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» لِحَمْلِ الْمَفْتُوحِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى الْمَجَازِ، وَقَرَّرَهُ الطِّيبِيُّ وَالتَّفْتَازَانِيُّ بِمَا فِيهِ تَكَلُّفٌ، وَإِذْ هُوَ مَصْدَرٌ فَالْإِخْبَارُ بِهِ مُبَالَغَةٌ فِي تَمَكُّنِ الْوَصْفِ مِنَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ كَقَوْلِ الْخَنْسَاءِ:

فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ أَيْ تُقْبِلٌ وَتُدْبِرُ.

وَقِيلَ: الْكُرْهُ اسْمٌ للشَّيْء الْمَكْرُوه كالخبز. فَالْقِتَالُ كَرِيهٌ لِلنُّفُوسِ، لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمُقَاتِلِ وَبَيْنَ طُمَأْنِينَتِهِ وَلَذَّاتِهِ وَنَوْمِهِ وَطَعَامِهِ وَأَهْلِهِ وَبَيْتِهِ، وَيُلْجِئُ الْإِنْسَانَ إِلَى عَدَاوَةِ مَنْ كَانَ صَاحِبَهُ وَيُعَرِّضُهُ لِخَطَرِ الْهَلَاكِ أَوْ أَلَمِ الْجِرَاحِ، وَلَكِنَّ فِيهِ دَفْعَ الْمَذَلَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجَالِ وَاسْتِضْعَافِهِمْ،

وَفِي الْحَدِيثِ «لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمْ فَاصْبِرُوا»

، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقِتَالَ مِنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي لَا يُحِبُّهَا النَّاسُ إِلَّا إِذَا كَانَ تَرْكُهَا يُفْضِي إِلَى ضُرٍّ عَظِيمٍ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ:

وَنَبْكِي حِينَ نَقْتُلُكُمْ عَلَيْكُمْ ... وَنَقْتُلُكُمْ كَأَنَّا لَا نُبَالِي