وَفِي قَوْلِهِ: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى إِجْمَالٌ يُفِيدُ التَّشْوِيقَ إِلَى تَفْصِيلِهِ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى [اللَّيْل: ٥] الْآيَةَ لِيَتَمَكَّنَ تَفْصِيلُهُ فِي الذِّهْنِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولُ يَغْشى لِتَنْزِيلِ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِغِشْيَانِهِ كُلَّ مَا تَغْشَاهُ ظُلْمَتُهُ.
وَأُسْنِدَ إِلَى النَّهَارِ التَّجَلِّي مَدْحًا لَهُ بِالِاسْتِنَارَةِ الَّتِي يَرَاهَا كُلُّ أَحَدٍ وَيُحِسُّ بِهَا حَتَّى الْبُصَرَاءُ.
وَالتَّجَلِّي: الْوُضُوحُ، وَتَجَلِّي النَّهَارِ: وُضُوحُ ضِيَائِهِ، فَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ: وَالشَّمْسِ وَضُحاها [الشَّمْس: ١] وَقَوله: وَالضُّحى [الضُّحَى: ١] .
وَأُشِيرَ إِلَى أَنَّ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ كَانَتْ غَالِبَةً لِضَوْءِ النَّهَارِ وَأَنَّ النَّهَارَ يَعْقُبُهَا وَالظُّلْمَةُ هِيَ أَصْلُ أَحْوَالِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَجَمِيعِ الْعَوَالِمِ الْمُرْتَبِطَةِ بِالنِّظَامِ الشَّمْسِيِّ وَإِنَّمَا أَضَاءَتْ بَعْدَ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ الشَّمْسَ وَلِذَلِكَ اعْتُبِرَ التَّارِيخُ فِي الْبَدْءِ بِاللَّيَالِي ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ التَّارِيخُ بِالْأَيَّامِ.
وَالْقَوْلُ فِي تَقْيِيدِ اللَّيْلِ بِالظَّرْفِ وَتَقْيِيدِ النَّهَارِ بِمِثْلِهِ كَالْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها فِي السُّورَة السَّابِقَة [الشَّمْس: ٣، ٤] .
وَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مَصْدَرِيَّةٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ وَهُوَ خَلْقُ الزَّوْجَيْنِ وَمَا يَقْتَضِيهِ مِنَ التَّنَاسُلِ.
وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى: صِنْفَا أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ. وَالْمُرَادُ: خُصُوصُ خَلْقِ الْإِنْسَانِ وَتَكَوُّنِهِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الحجرات: ١٣] لِأَنَّهُ هُوَ الْمَخْلُوقُ الْأَرْفَعُ فِي عَالَمِ الْمَادِّيَّاتِ وَهُوَ الَّذِي يُدْرِكُ الْمُخَاطَبُونَ أَكْثَرَ دَقَائِقِهِ لِتَكَرُّرِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ بِخِلَافِ تَكَوُّنِ نَسْلِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يُدْرِكُ بَعْضَ أَحْوَالِهِ وَلَا يُحْصِي كَثِيرًا مِنْهَا.
وَالْمَعْنَى: وَذَلِكَ الْخَلْقُ الْعَجِيبُ مِنِ اخْتِلَافِ حَالَيِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ مَعَ خُرُوجِهِمَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَتَوَقَّفِ التَّنَاسُلِ عَلَى تَزَاوُجِهِمَا، فَالْقَسَمُ بِتَعَلُّقٍ مِنْ تَعَلُّقِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ الْإِلَهِيَّةِ وَهِيَ قِسْمٌ مِنَ الصِّفَاتِ لَا يُخْتَلَفُ فِي ثُبُوتِهِ وَإِنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute