للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّهَادَةِ، وَقِيلَ: الصَّلَاةُ، وَقِيلَ: الزَّكَاةُ. وَعَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا فَالتَّصْدِيقُ بِهَا الِاعْتِرَافُ بِوُقُوعِهَا وَيُكَنَّى بِهِ عَنِ الرَّغْبَةِ فِي تَحْصِيلِهَا.

وَحَاصِلُ الِاحْتِمَالَاتِ يَحُومُ حَوْلَ التَّصْدِيقِ بِوَعْدِ اللَّهِ بِمَا هُوَ حَسَنٌ مِنْ مَثُوبَةٍ أَوْ نَصْرٍ أَوْ إِخْلَافِ مَا تَلِفَ فَيَرْجِعُ هَذَا التَّصْدِيقُ إِلَى الْإِيمَانِ.

وَيَتَضَمَّنُ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفَوْزُ بِالْحُسْنَى.

وَلِذَلِكَ قُوبِلَ فِي الشِّقِّ الْآخَرِ بِقَوْلِهِ: وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى وَالتَّيْسِيرُ: جَعْلُ شَيْءٍ يَسِيرَ الْحُصُولِ، وَمَفْعُولُ فِعْلِ التَّيْسِيرِ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُجْعَلُ يَسِيرًا، أَيْ غَيْرَ شَدِيدٍ، وَالْمَجْرُورُ بِاللَّامِ بَعْدَهُ هُوَ الَّذِي يُسَهَّلُ الشَّيْءُ الصَّعْبُ لِأَجْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِسُهُولَةِ الْأَمْرِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي [طه: ٢٦] وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [الْقَمَر: ١٧] .

وَالْيُسْرَى فِي قَوْلِهِ: لِلْيُسْرى هِيَ مَا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، وَتَأْنِيثُهَا: إِمَّا بِتَأْوِيلِ الْحَالَةِ، أَيِ الْحَالَةِ الَّتِي لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ حَالَةُ النَّعِيمِ، أَوْ عَلَى تَأْوِيلِهَا بِالْمَكَانَةِ. وَقَدْ فُسِّرَتِ الْيُسْرَى بِالْجَنَّةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُجَاهِدٍ. وَيَحْتَمِلُ اللَّفْظُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً تَنْدَرِجُ فِي

مَعَانِي النَّافِعِ الَّذِي لَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِهِ، أَيِ الْمُلَائِمُ.

وَالْعُسْرَى: إِمَّا الْحَالَةُ وَهِيَ حَالَةُ الْعسر والشدة، أَي الْعَذَاب، وَإِمَّا مَكَانَتُهُ وَهِيَ جَهَنَّمُ، لِأَنَّهَا مَكَانُ الْعُسْرِ وَالشَّدَائِدِ عَلَى أَهْلِهَا قَالَ تَعَالَى: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر: ٩، ١٠] ، فَمَعْنَى: «نُيَسِّرُهُ» نُدَرِّجُهُ فِي عَمَلَيِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَبِهِ فَسَّرَ ابْنُ عَطِيَّةَ، فَالْأَعْمَالُ الْيُسْرَى هِيَ الصَّالِحَةُ، وُصِفَتْ بِالْيُسْرَى بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهَا لِصَاحِبِهَا، وَتَكُونُ الْعُسْرَى الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَتِهَا عَلَى صَاحِبِهَا فَتَأْنِيثُهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ كِلْتَيْهِمَا صِفَةُ طَائِفَةٍ مِنَ الْأَعْمَالِ.

وَحَرْفُ التَّنْفِيسِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ مُرَادًا مِنْهُ الِاسْتِمْرَارُ مِنَ الْآنَ إِلَى آخِرِ الْحَيَاةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يُوسُف: ٩٨] .

وَحَرْفُ (أَلْ) فِي «الْيُسْرَى» وَفِي «الْعُسْرَى» لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعَانِي.