وَجُمْلَةُ لَا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى صِفَةٌ ثَانِيَةٌ أَوْ حَالٌ مِنْ نَارًا بَعْدَ أَنْ وُصِفَتْ.
وَهَذِهِ نَارٌ خَاصَّةٌ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ فَهِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ [الْبَقَرَة: ٢٤] وَالْقَرِينَةُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الْآيَةَ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ الزَّجَّاجَ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قَالَ أَهْلُ الْإِرْجَاءِ بِالْإِرْجَاءِ فَزَعَمُوا: أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ إِلَّا كَافِرٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا: هَذِهِ نَارٌ مَوْصُوفَةٌ بِعَيْنِهَا لَا يَصْلَى هَذِهِ النَّارَ إِلَّا الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَلِأَهْلِ النَّارِ مَنَازِلُ فَمِنْهَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ اهـ.
وَالْمَعْنَى: لَا يَصْلَاهَا إِلَّا أَنْتُمْ.
وَقَدْ أُتْبِعَ الْأَشْقَى بِصِفَةِ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى لِزِيَادَةِ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّهُمُ
الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَلَّوْا، أَيْ أَعْرَضُوا عَنِ الْقُرْآنِ، وَقَدِ انْحَصَرَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ أَحَدَ فَرِيقَيْنِ: إِمَّا كَافِرٌ وَإِمَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَلَمْ يَكُنِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يَغْشَوْنَ الْكَبَائِرَ لِأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الْإِسْلَامِ بِشَرَاشِرِهِمْ، وَلِذَلِكَ عُطِفَ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى إِلَخْ تَصْرِيحًا بِمَفْهُومِ الْقَصْرِ وَتَكْمِيلًا لِلْمُقَابَلَةِ.
والْأَشْقَى والْأَتْقَى مُرَادٌ بِهِمَا: الشَّدِيدُ الشَّقَاءِ وَالشَّدِيدُ التَّقْوَى وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ.
وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ: أَنَّ مَالِكًا قَالَ: صَلَّى بِنَا عُمَرُ بْنُ عبد الْعَزِيز الْمغرب فَقَرَأَ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى فَلَمَّا بَلَغَ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى وَقَعَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ فَلَمْ يَقْدِرْ يَتَعَدَّاهَا مِنَ الْبُكَاءِ فَتَرَكَهَا وَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى» .
وَوَصْفُ الْأَشْقَى بِصِلَةِ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَوَصْفُ الْأَتْقَى بِصِلَةِ الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ لِلصِّلَةِ تَسَبُّبًا فِي الْحُكْمِ.
وَبَيْنَ الْأَشْقَى والْأَتْقَى مُحَسِّنُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute