للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالضَّلَالُ: عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ الْموصل إِلَى مَكَان مَقْصُود سَوَاءٌ سَلَكَ السَّائِرُ طَرِيقًا آخَرَ يُبْلِغُ إِلَى غَيْرِ الْمَقْصُودِ أَمْ وَقَفَ حَائِرًا لَا يَعْرِفُ أَيَّ طَرِيقٍ يَسْلُكُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَنَّكَ كُنْتَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ حَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ قَوْمِكَ فَأَرَاكَهُ اللَّهُ غَيْرَ مَحْمُودٍ وَكَرَّهَهُ إِلَيْكَ وَلَا تَدْرِي مَاذَا تَتَّبِعُ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَنْشَأَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ إِعْدَادِهِ لِتَلَقِّي الرِّسَالَةِ فِي الْإِبَّانِ، أَلْهَمَهُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ قَوْمُهُ مِنَ الشِّرْكِ خَطَأٌ وَأَلْقَى فِي نَفْسِهِ طَلَبَ الْوُصُولِ إِلَى الْحَقِّ لِيَتَهَيَّأَ بِذَلِكَ لِقَبُولِ الرِّسَالَةِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّلَالِ هُنَا اتِّبَاعَ الْبَاطِلِ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الْإِشْرَاكِ قَبْلَ النُّبُوءَةِ بِاتِّفَاقِ عُلَمَائِنَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عِصْمَتِهِمْ مِنْ نَوْعِ الذُّنُوبِ الْفَوَاحِشِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ الشَّرَائِعُ فِي كَوْنِهَا فَوَاحِشَ وَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ التَّنَافِي بَيْنَ اعْتِبَارِ الْفِعْلِ فَاحِشَةً وَبَيْنَ الْخُلُوِّ عَنْ وُجُودِ شَرِيعَةٍ قَبْلَ النُّبُوءَةِ، فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا نَزَّهُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَالْمُعْتَزِلَةُ مَنَعُوا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ دَلِيلِ الْعَقْلِ كَافِيًا فِي قُبْحِ الْفَوَاحِشِ عَلَى إِرْسَالِ كَلَامِهِمْ فِي ضَابِطِ دَلَالَةِ الْعَقْلِ. وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّ نَبِيَّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِي أُصُولَ الدِّينِ قَبْلَ رِسَالَتِهِ وَلَمْ يَزَلْ عُلَمَاؤُنَا يَجْعَلُونَ مَا تَوَاتَرَ مِنْ حَالِ اسْتِقَامَتِهِ وَنَزَاهَتِهِ عَنِ الرَّذَائِلِ قَبْلَ نُبُوءَتِهِ دَلِيلًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى رِسَالَتِهِ، بَلْ قَدْ شَافَهَ الْقُرْآنُ بِهِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ: فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [يُونُس: ١٦] وَقَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٦٩] ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَفْحَمُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَسَاوِي أَعْمَالِهِمْ بِأَنْ يَقُولُوا فَقَدْ كُنْتَ تَفْعَلُ ذَلِكَ مَعَنَا.

وَالْعَائِلُ: الَّذِي لَا مَالَ لَهُ، وَالْفَقْرُ يُسَمَّى عَيْلَةً، قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ [التَّوْبَة: ٢٨] وَقَدْ أَغْنَاهُ اللَّهُ غِنَاءَيْنِ: أَعْظَمُهُمَا غِنَى الْقَلْبِ إِذْ أَلْقَى فِي قَلْبِهِ قِلَّةَ الِاهْتِمَامِ بِالدُّنْيَا، وَغِنَى الْمَالِ حِينَ أَلْهَمَ خَدِيجَةَ مُقَارَضَتَهُ فِي تِجَارَتِهَا.

وَحُذِفَتْ مَفَاعِيلُ فَآوى، فَهَدى، فَأَغْنى لِلْعِلْمِ بِهَا مِنْ ضَمَائِرِ الْخطاب قبلهَا، وحدفها إِيجَازٌ، وَفِيهِ رِعَايَةٌ على الفواصل.