وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَمَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَنَسَبَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ إِلَى الْجُمْهُورِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْحُ شَرْحًا بَدَنِيًّا. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ التِّرْمِذِيِّ إِذْ أَخْرَجَ حَدِيثَ شَقِّ الصَّدْرِ الشَّرِيفِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ فَتَكُونُ الْآيَةُ
إِشَارَةً إِلَى مَرْوِيَّاتٍ فِي شَقِّ صَدْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَقًّا قُدُسِيًّا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ بَعْضُ خَبَرِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، وَالْمَرْوِيُّ مُطَوَّلًا فِي السِّيرَةِ وَالْمَسَانِيدِ، فَوَقَعَ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنَّهُ كَانَ فِي رُؤْيَا النَّوْمِ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ كَانَ يَقَظَةً وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي «الْبُخَارِيِّ» ، وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» أَنَّهُ يَقَظَةٌ وَبِمَرْأًى مِنْ غِلْمَانٍ أَتْرَابِهِ،
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ الشَّقِّ فِي جِلْدِ صَدْرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ،
وَالرِّوَايَاتُ مُخْتَلِفَةٌ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ مَعَ اتِّفَاقِهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ. وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ حَمَلَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَقَّ صَدْرِهِ الشَّرِيفِ تَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ إِلَى أَرْبَعٍ، مِنْهَا حِينَ كَانَ عِنْدَ حَلِيمَةَ. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ الشَّقَّ كَانَ وَعُمُرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ.
وَالَّذِي فِي «الصَّحِيحِ» عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْمِعْرَاجِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَعَلَّ بَعْضَهَا كَانَ رُؤْيَا وَبَعْضَهَا حِسًّا. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الشَّرْحُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ، وَإِذْ قد كَانَ ذَاك الشَّقُّ مُعْجِزَةً خَارِقَةً لِلْعَادَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَهُوَ مَا نَحَّاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْأَحْكَامِ» ، وَعَلَيْهِ يَكُونُ الصَّدْرُ قَدْ أُطْلِقَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْبَاطِنُ الْحَاوِي لِلْقَلْبِ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ فَسَّرَ الصَّدْرَ بِالْقَلْبِ حَكَاهُ عِيَاضٌ فِي «الشِّفَا» ، يُشِيرُ إِلَى مَا جَاءَ فِي خَبَرِ شَقِّ الصَّدْرِ مِنْ إِخْرَاجِ قَلْبِهِ وَإِزَالَةِ مَقَرِّ الْوَسْوَسَةِ مِنْهُ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ لِلشَّرْحِ يُفِيدُ أَنَّهُ إِيقَاعُ مَعْنًى عَظِيمٍ لِنَفْسِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا مُبَاشَرَةً وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ مغزاه كَمَا لايخفى.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَكَ لَامُ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ يُفِيدُ تَكْرِيمًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ اللَّهَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِهِ.
وَفِي ذِكْرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ قَبْلَ ذِكْرِ الْمَشْرُوحِ سُلُوكُ طَرِيقَةِ الْإِبْهَامِ لِلتَّشْوِيقِ فَإِنَّهُ لَمَّا ذُكِرَ فِعْلُ نَشْرَحْ عَلِمَ السَّامِعُ أَنَّ ثَمَّ مَشْرُوحًا، فَلَمَّا وَقَعَ قَوْلُهُ: لَكَ قوي الْإِبْهَام فازداد التَّشْوِيقُ، لِأَنَّ لَكَ يُفِيدُ مَعْنَى شَيْئًا لِأَجْلِكَ فَلَمَّا وَقَعَ بَعْدَهُ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute