وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْمُشْتَهَرَةُ وَلم يزل الْأَئِمَّة فِي الْمَسَاجِدِ يَتَوَخَّوْنَ الْحَذَرَ مِنْ إِبْدَالِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ بِالْآخَرِ لِلْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بُطْلَانِ صَلَاةِ اللَّحَّانِ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ مُطْلَقًا أَوْ إِذَا كَانَ عَامِدًا إِذَا كَانَ فَذًّا وَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ مَنْ خَلْفَهُ أَيْضًا إِذَا كَانَ اللَّاحِنُ إِمَامًا.
وَرَفْعُ الذِّكْرِ: جَعْلُ ذِكْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَذَلِكَ بِمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ ثَنَاءً عَلَيْهِ وَكَرَامَةً. وَبِإِلْهَامِ النَّاسِ التَّحَدُّثَ بِمَا جَبَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَحَامِدِ مُنْذُ نَشْأَتِهِ.
وَعَطْفُ وَوَضَعْنا ورَفَعْنا بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ عَلَى فِعْلِ نَشْرَحْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِأَنَّ (لَمْ) قَلَبَتْ زَمَنَ الْحَالِ إِلَى الْمُضِيِّ فَعُطِفَ عَلَيْهِ الْفِعْلَانِ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِأَنَّهُمَا دَاخِلَانِ
فِي حَيِّزِ التَّقْرِيرِ فَلَمَّا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِمَا حَرْفُ (لَمْ) صُيِّرَ بِهِمَا إِلَى مَا تُفِيدُهُ (لَمْ) مِنْ مَعْنَى الْمُضِيِّ.
وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى أَحْوَالٍ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرَجٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ فِي حَرَجٍ، وَأَنَّ اللَّهَ كَشَفَ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ حَرَجٍ مِنْهَا أَوْ هَيَّأَ نَفْسَهُ لِعَدَمِ النَّوْءِ بِهَا.
وَكَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُهَا كَمَا أَشْعَرَ بِهِ إِجْمَالُهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ الْمُقْتَضِي عِلْمَ الْمُقَرَّرِ بِمَا قُرِّرَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ تَفْصِيلَهَا فِيمَا سَبَقَ فِي سُورَةِ الضُّحَى فَلَعَلَّهَا كَانَتْ مِنْ أَحْوَالِ كَرَاهِيَتِهِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ نَبْذِ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَمِنْ مَسَاوِي الْأَعْمَالِ.
وَكَانَ فِي حَرَجٍ مِنْ كَوْنِهِ بَيْنَهُمْ وَلَا يَسْتَطِيعُ صَرْفَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَلَمْ يكن يترقب طريقها لِأَنْ يَهْدِيَهُمْ أَوْ لَمْ يَصِلْ إِلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَطْمَعْ إِلَّا فِي خُوَيْصَّةِ نَفْسِهِ يَوَدُّ أَنْ يَجِدَ لِنَفْسِهِ قَبَسَ نُورٍ يُضِيءُ لَهُ سَبِيلَ الْحَقِّ مِمَّا كَانَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ وَالْخَلْوَةِ وَالِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ، فَكَانَ يَتَحَنَّثُ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَلَمَّا انْتَشَلَهُ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْوَحْلَةِ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ كَانَ ذَلِكَ شَرْحًا مِمَّا كَانَ يَضِيقُ بِهِ صَدْرُهُ يَوْمَئِذٍ، فَانْجَلَى لَهُ النُّورُ، وَأُمِرَ بِإِنْقَاذِ قَوْمِهِ وَقَدْ يَظُنُّهُمْ طُلَّابَ حَقٍّ وَأَزْكِيَاءَ نُفُوسٍ فَلَمَّا قَابَلُوا إِرْشَادَهُ بِالْإِعْرَاضِ وَمُلَاطَفَتَهُ لَهُمْ بِالِامْتِعَاضِ، حَدَثَ فِي صَدْرِهِ ضِيقٌ آخَرُ أَشَارَ إِلَى مثل قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: ٣] وَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي شَأْنِهِ رَبْطُ جَأْشِهِ بِنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْبَقَرَة: ٢٧٢] فَكُلَّمَا نَزَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute