للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْكَرَمُ: التَّفَضُّلُ بِعَطَاءِ مَا يَنْفَعُ الْمُعْطَى، وَنِعَمُ اللَّهِ عَظِيمَةٌ لَا تُحْصَى ابْتِدَاءً مِنْ نِعْمَةِ الْإِيجَادِ، وَكَيْفِيَّةِ الْخَلْقِ، وَالْإِمْدَادِ.

وَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْخَمْسُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أُصُولَ الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ فَوَصْفُ الرَّبِّ يَتَضَمَّنُ الْوُجُودَ وَالْوَحْدَانِيَّةَ، وَوَصْفُ الَّذِي خَلَقَ وَوَصْفُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ يَقْتَضِيَانِ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ الْقَرِيبِ عَلَى ثُبُوتِ مَا أُشِيرَ إِلَيْهِ مِنَ الصِّفَاتِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَوْصُولِيَّةُ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ الَّذِي يُذْكَرُ مَعَهَا. وَوَصْفُ الْأَكْرَمُ يَتَضَمَّنُ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّنْزِيهَ عَنِ النَّقَائِصِ.

وَمَفْعُولَا عَلَّمَ بِالْقَلَمِ مَحْذُوفَانِ دَلَّ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ: بِالْقَلَمِ وَتَقْدِيرُهُ: عَلَّمَ الْكَاتِبِينَ أَوْ عَلَّمَ نَاسًا الْكِتَابَةَ، وَكَانَ الْعَرَبُ يُعَظِّمُونَ عِلْمَ الْكِتَابَةِ وَيَعُدُّونَهَا مِنْ خَصَائِصِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّةَ النُّمَيْرِيُّ:

كَمَا خُطَّ الْكِتَابُ بِكَفِّ يَوْمًا ... يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ

وَيَتَفَاخَرُ مَنْ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ بِعِلْمِهِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:

تَعَلَّمْتُ بَاجَادَ وَآلَ ... مُرَامِرٍ وَسَوَّدْتُ أَثْوَابِي وَلَسْتُ بِكَاتِبِ

وَذُكِرُ أَنَّ ظُهُورَ الْخَطِّ فِي الْعَرَبِ أَوَّلَ مَا كَانَ عِنْدَ أَهْلِ الْأَنْبَارِ، وَأَدْخَلَ الْكِتَابَةَ إِلَى الْحِجَازِ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ تَعَلَّمَهُ مِنْ أَسْلَمَ بْنِ سِدْرَةَ وَتَعَلَّمَهُ أَسْلَمُ مِنْ مُرَامِرِ بْنِ مُرَّةَ وَكَانَ الْخَطُّ سَابِقًا عِنْدَ حِمْيَرَ بِالْيَمَنِ وَيُسَمَّى الْمُسْنَدَ.

وَتَخْصِيصُ هَذِهِ الصِّلَةِ بِالذِّكْرِ وَجَعْلِهَا مُعْتَرِضَةً بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى إِزَالَةِ مَا

خَطَرَ بِبَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْكِتَابَةَ فَكَيْفَ الْقِرَاءَةُ إِذْ

قَالَ لِلْمَلَكِ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»

ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لِأَنَّ

قَوْلَهُ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»

اعْتِذَارٌ عَنْ تَعَذُّرِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ: اقْرَأْ فَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي عَلَّمَ النَّاسَ الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ وَالْقِرَاءَةَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَكَ الْقِرَاءَةَ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ الْكِتَابَةَ.

وَالْقَلَمُ: شَظِيَّةٌ مِنْ قَصَبٍ تُرَقَّقُ وَتُثَقَّفُ وَتُبْرَى بِالسِّكِّينِ لِتَكُونَ مَلْسَاءَ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَيُجْعَلُ طَرَفُهَا مَشْقُوقًا شَقًّا فِي طُولِ نِصْفِ الْأُنْمُلَةِ، فَإِذَا بُلَّ ذَلِكَ الطَّرَفُ