للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ [ص: ٥] فَلَيْسَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ إِلَّا رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّدِّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ قَدَّمَ الصَّدَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْكُفْرِ بِاللَّهِ لِيُفَادَ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ بَعْدَ أَنْ دَلَّ عَلَيْهِ الصَّدُّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِدَلَالَةِ التَّضَمُّنِ، ثُمَّ عَدَّ عَلَيْهِمُ الصَّدَّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ إِخْرَاجَ أَهْلِهِ مِنْهُ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ «وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ» عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ (بِهِ) لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْكُفْرِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّ الْكُفْرَ يَتَعَدَّى إِلَى مَا يُعْبَدُ وَمَا هُوَ دِينٌ وَمَا يَتَضَمَّنُ دِينًا، عَلَى أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ مَا يُسَوِّغُ أَنْ يُتَكَلَّفَ بِإِطْلَاقِ لَفْظِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ.

وَقَوْلُهُ: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَيْ إِخْرَاجُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّ فِي إِخْرَاجِهِمْ مَظَالِمَ كَثِيرَةً فَقَدْ مَرِضَ الْمُهَاجِرُونَ فِي خُرُوجِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمِنْهُمْ كَثِيرٌ مَنْ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى حَتَّى رُفِعَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى

أَنَّ التَّفْضِيلَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِوُقُوعِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَا بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَإِنَّ لَهُ حُكْمًا يَخُصُّهُ.

وَالْأَهْلُ: الْفَرِيقُ الَّذِينَ لَهُمْ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِمَا يُضَافُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ، فَمِنْهُ أَهْلُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ، وَأَهْلُ الْبَلَدِ الْمُسْتَوْطِنُونَ بِهِ، وَأَهْلُ الْكَرَمِ الْمُتَّصِفُونَ بِهِ، أَرَادَ بِهِ هُنَا الْمُسْتَوْطِنِينَ بِمَكَّةَ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا مِلَّةَ مَنْ بَنَى الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ تَعَالَى: وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الْأَنْفَال: ٣٤] وَقَوْلُهُ: وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ تَذْيِيلٌ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ، لِقَوْلِهِ: وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ وَإِذْ قَدْ كَانَ إِخْرَاجُ أَهْلِ الْحَرَمِ مِنْهُ أَكْبَرَ مِنَ الْقَتْلِ كَانَ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنَ الصَّدِّ عَنِ الدِّينِ وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالصَّدِّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَكْبَرَ بِدَلَالَةِ الْفَحْوَى، لِأَنَّ تِلْكَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْ جَرِيمَةِ إِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ.

وَالْفِتْنَةُ: التَّشْغِيبُ وَالْإِيقَاعُ فِي الْحِيرَةِ وَاضْطِرَابُ الْعَيْشِ فَهِيَ اسْمٌ شَامِلٌ لِمَا يُعَظِّمُ مِنَ الْأَذَى الدَّاخِلِ عَلَى أَحَدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَأُرِيدَ بِهَا هُنَا مَا لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَصَائِبِ فِي الدِّينِ بِالتَّعَرُّضِ لَهُمْ بِالْأَذَى بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَمَنْعِهِمْ مِنْ إِظْهَارِ عِبَادَتِهِمْ، وَقَطِيعَتِهِمْ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَالسُّخْرِيَةِ بِهِمْ وَالضَّرْبِ الْمُدْمِي وَالتَّمَالُؤِ عَلَى قَتْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِخْرَاجِ مِنْ مَكَّةَ وَمَنْعٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنِ الْبَيْتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ أَكْبَرُ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدًا مِنْ رِجَالِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ عَمْرٌو الْحَضْرَمِيُّ وَأَسْرِهِمْ رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ.