للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ تَحْصِيلًا يُنْتَزَعُ مَنْ لَفْظِهَا وَنَظْمِهَا، فَذَكَرَ الْفَخْرُ عَنِ الْوَاحِدِيُّ فِي «التَّفْسِيرِ الْبَسِيطِ» لَهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَصْعَبِ مَا فِي الْقُرْآنِ نَظْمًا وَتَفْسِيرًا وَقَدْ تَخَبَّطَ فِيهَا الْكِبَارُ مِنَ الْعُلَمَاءِ. قَالَ الْفَخْرُ: «ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يُلَخِّصْ كَيْفِيَّةَ الْإِشْكَالِ فِيهَا.

وَأَنَا أَقُولُ: وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي هِيَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ أَنهم منفكون عماذا لَكِنَّهُ مَعْلُومٌ إِذِ الْمُرَادُ

هُوَ الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ اللَّذَيْنِ كَانُوا عَلَيْهِمَا فَصَارَ التَّقْدِيرُ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ الَّتِي هِيَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ إِنَّ كَلِمَةَ حَتَّى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي أَنَّهُمْ صَارُوا مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ عِنْدَ إِتْيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:

وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [الْبَيِّنَةُ: ٤] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُفْرَهُمْ قَدِ ازْدَادَ عِنْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ حَصَلَ بَيْنَ الْآيَةِ الْأُولَى وَالْآيَةِ الثَّانِيَةِ مُنَاقَضَةٌ فِي الظَّاهِرِ» اهـ كَلَامُ الْفَخْرِ.

يُرِيدُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَوْلَهُ: رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ بَدَلٌ مِنَ الْبَيِّنَةُ وَأَنَّ مُتَعَلِّقَ مُنْفَكِّينَ حُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ صِلَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَكُونُوا مُنْفَكِّينَ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَإِنَّ حَرْفُ الْغَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّ إِتْيَانَ الْبَيِّنَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ هِيَ نِهَايَةُ انْعِدَامِ انْفِكَاكِهِمْ عَنْ كُفْرِهِمْ، أَيْ فَعِنْدَ إِتْيَانِ الْبَيِّنَةِ يَكُونُونَ مُنْفَكِّينَ عَنْ كُفْرِهِمْ فَكَيْفَ مَعَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ [الْبَيِّنَةُ: ٤] فَإِنَّ تَفَرُّقَهُمْ رَاجِعٌ إِلَى تَفَرُّقِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ ازْدِيَادٌ فِي الْكُفْرِ إِذْ بِهِ تَكْثُرُ شُبَهُ الضَّلَالِ الَّتِي تَبْعَثُ عَلَى التَّفَرُّقِ فِي دِينِهِمْ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فِي أَصْلِ الْكُفْرِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [الْبَيِّنَة: ٤] إِلَخْ كَلَامًا مُتَّصِلًا بِإِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ الَّذِي دَرَجَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَلَنَا فِي ذَلِكَ كَلَامٌ سَيَأْتِي.

وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ الْفَخْرُ مِنْ وَجْهِ الْإِشْكَالِ: أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا لَمْ يَنْفَكُّوا عَنِ الْكُفْرِ فِي زَمَنٍ مَا، وَأَنَّ نَصْبَ الْمُضَارِعِ بَعْدَ حَتَّى يُنَادِي عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِ (أَنْ) مُضْمَرَةٍ بَعْدَ حَتَّى فَيَقْتَضِي أَنَّ إِتْيَانَ الْبَيِّنَةِ مُسْتَقْبَلٌ وَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ فُسِّرَتْ بِ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ وَإِتْيَانُ الرَّسُولِ وَقَعَ قَبْلَ