للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَمْعًا بَيْنَهُمَا كَمَا ابْتَدَأَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالدَّلَالَةِ كَافٍ فِي تَدْلِيلِ أَنْفُسِهِمْ لِلْمَوْعِظَةِ.

فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَقَدَّمَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي الْوَعِيدِ اسْتِتْبَاعًا لِتَقْدِيمِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي سَبَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَلِأَنَّ مُعْظَمَ الرَّدِّ كَانَ مُوَجَّهًا إِلَى أَحْوَالهم من قَوْلِهِ: وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَى قَوْلِهِ: دِينُ الْقَيِّمَةِ [الْبَيِّنَة: ٤، ٥] ، وَلِأَنَّهُ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ.

ومِنْ بَيَانِيَّةٌ مِثْلَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ [الْبَيِّنَة: ١] .

وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِ إِنَّ لِلرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا تَمَسُّهُمُ النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، فَإِنَّ الظَّرْفِيَّةَ الَّتِي اقْتَضَتْهَا فِي تُفِيدُ أَنَّهُمْ غَيْرُ خَارِجِينَ مِنْهَا، وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: خالِدِينَ فِيها، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَقَدْ أَنْكَرُوا الْجَزَاءَ رَأْسًا.

وَالْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِالْكَوْنِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِخْبَارٌ بِمَا يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِقَرِينَةِ مَقَامِ الْوَعِيدِ فَإِنَّ الْوَعِيدَ كَالْوَعْدِ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ شَأْنُ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ غَيْرِ الْمُقَيَّدَةِ بِمَا يُعَيِّنُ زَمَانَ وُقُوعِهَا أَنْ تُفِيدَ حُصُولَ مَضْمُونِهَا فِي الْحَالِ كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ فِي نِعْمَةٍ.

وَجُمْلَةُ: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ كَالنَّتِيجَةِ لِكَوْنِهِمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَهُوَ إِخْبَارٌ بِسُوءِ عَاقِبَتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَأُرِيدَ بِالْبَرِيئَةِ هُنَا الْبَرِيئَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَهُمُ الْبَشَرُ، فَلَا اعْتِبَارَ لِلشَّيَاطِينِ فِي هَذَا الِاسْمِ وَهَذَا يُشْبِهُ الِاسْتِغْرَاقَ الْعُرْفِيَّ.

وَالْبَرِيئَةُ: فَعِيلَةُ مِنْ بَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ، أَيْ صَوَّرَهُمْ.

وَمَعْنَى كَونهم شَرُّ الْبَرِيَّةِ أَنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ شَرًّا، فَ شَرُّ هُنَا أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ أَصْلُهُ أَشَرُّ مِثْلَ خَيْرٍ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَخْيَرَ، فَإِضَافَةُ شَرُّ إِلَى الْبَرِيَّةِ عَلَى نِيَّةِ مِنْ التَّفْضِيلِيَّةِ.

وَإِنَّمَا كَانُوا كَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ضَلُّوا بَعْدَ تَلَبُّسِهِمْ بِأَسْبَابِ الْهُدَى، فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَلِأَنَّ لَدَيْهِمْ كِتَابًا فِيهِ هُدًى وَنُورٌ فَعَدَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَلِأَنَّهُمْ كَانُوا