للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْخُلُقِ مَذْمُومٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنَّهُ مِنْ خِصَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُحَذَّرُونَ مِنَ التَّلَبُّسِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْذَرُونَ مِنْ أَنْ يُلْهِيَهُمْ حُبُّ الْمَالِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ، وَيَتَوَقَّعُونَ أَنْ يُفَاجِئَهُمُ الْمَوْتُ وَهُمْ لَاهُونَ عَنِ الْخَيْرِ، قَالَ تَعَالَى يُخَاطِبُ الْمُؤْمِنِينَ: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ [الْحَدِيد: ٢٠] الْآيَةَ.

وَقَوْلُهُ: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ غَايَةٌ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِفِعْلِ أَلْهاكُمُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى [طه: ٩١] ، أَيْ دَامَ إِلْهَاءُ التَّكَاثُرِ إِلَى أَنْ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ، أَيْ اسْتَمَرَّ بِكُمْ طُولَ حَيَاتِكُمْ، فَالْغَايَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِحَاطَةِ

بِأَزْمَانِ الْمُغَيَّا لَا فِي تَنْهِيَتِهِ وَحُصُولِ ضِدِّهِ لِأَنَّهُمْ إِذَا صَارُوا إِلَى الْمَقَابِرِ انْقَطَعَتْ أَعْمَالُهُمْ كُلُّهَا.

وَلِكَوْنِ زِيَارَةِ الْمَقَابِرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عِبَارَةً عَنِ الْحُلُولِ فِيهَا، أَيْ قُبُورَ الْمَقَابِرِ.

وَحَقِيقَةُ الزِّيَارَةِ الْحُلُولُ فِي الْمَكَانِ حُلُولًا غَيْرَ مُسْتَمِرٍّ، فَأُطْلِقَ فِعْلُ الزِّيَارَةِ هُنَا تَعْرِيضًا بِهِمْ بِأَنَّ حلولهم فِي الْقُبُور يَعْقُبُهُ خُرُوجٌ مِنْهَا.

وَالتَّعْبِيرُ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فِي زُرْتُمُ لِتَنْزِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي لِأَنَّهُ مُحَقَّقٌ وُقُوعُهُ مِثْلَ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النَّحْل: ١] .

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ لِلْمُتَكَاثِرِ بِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ التَّكَاثُرُ، أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ حَتَّى بِالْقُبُورِ تُعِدُّونَهَا. وَهَذَا يَجْرِي عَلَى مَا رَوَى مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ أَنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي سَهْمٍ تَفَاخَرُوا بِكَثْرَةِ السَّادَةِ مِنْهُمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا آنِفًا، فَتَكُونَ الزِّيَارَةُ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ، أَيْ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ لِتَعُدُّوا الْقُبُورَ، وَالْعَرَبُ يُكَنُّونَ بِالْقَبْرِ عَنْ صَاحِبِهِ قَالَ النَّابِغَةُ:

لَئِنْ كَانَ لِلْقَبْرَيْنِ قَبْرٍ بِجِلِّقٍ ... وَقَبْرٍ بِصَيْدَاءَ الَّذِي عِنْدَ حَارِبِ

وَقَالَ عِصَامُ بْنُ عُبَيْدٍ الزِّمَّانِيُّ، أَوْ هَمَّامٌ الرَّقَاشِيُّ:

لَوْ عُدَّ قَبْرٌ وَقَبْرٌ كُنْتُ أَقْرَبَهُمْ ... قَبْرًا وَأَبْعَدَهُمْ مِنْ مَنْزِلِ الذَّامِّ

أَيْ كُنْتُ أَقْرَبَهُمْ مِنْكَ قَبْرًا، أَيْ صَاحِبُ قَبْرٍ.