وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِكُفْرَانِ قُرَيْشٍ نِعْمَةً عَظِيمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَزَالُوا يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ.
وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ: رَبُّكَ فَمَهْيَعُ هَذِهِ الْآيَةِ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى [الضُّحَى: ٦] الْآيَاتِ وَقَوْلِهِ: لَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ
حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ
[الْبَلَدِ: ١، ٢] عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
فَالرُّؤْيَةُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَجَازِيَّةً مُسْتَعَارَةً لِلْعِلْمِ الْبَالِغِ مِنَ الْيَقِينِ حَدَّ الْأَمْرِ الْمَرْئِيِّ لِتَوَاتُرِ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَقَاءِ بَعْضِ آثَارِ ذَلِكَ يُشَاهِدُونَهُ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: رَأَيْتُ فِي بَيت أم هاني بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوًا مِنْ قَفِيزَيْنِ مِنْ تِلْكَ الْحِجَارَةِ سُودًا مُخَطَّطَةً بِحُمْرَةٍ. وَقَالَ عَتَّابُ بْنُ أَسْيَدٍ: أَدْرَكْتُ سَائِسَ الْفِيلِ وَقَائِدَهُ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِقَهُ أَعْمَيَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ.
وَفِعْلُ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ بِالِاسْتِفْهَامِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَة بصرية بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَجَاوَزَ سِنُّهُ نَيِّفًا وَخَمْسِينَ سَنَةً عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ مِمَّنْ شَهِدَ حَادِثَ الْفِيلِ غُلَامًا أَوْ فَتًى مِثْلَ أَبِي قُحَافَةَ وَأَبِي طَالِبٍ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ.
وكَيْفَ لِلِاسْتِفْهَامِ سدّ مسدّ مفعولي أَوْ مَفْعُولِ تَرَ، أَي لم تَرَ جَوَابَ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ، كَمَا تَقُولُ: عَلِمْتُ هَلْ زِيدٌ قَائِمٌ؟ وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ تَرَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَيْفَ مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ مُرَادًا مِنْهُ مُجَرَّدُ الْكَيْفِيَّةِ فَيَكُونُ نَصْبًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ.
وَإِيثَارُ كَيْفَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ أَوِ الْمَوْصُولِ فَلَمْ يَقُلْ: أَلَمْ تَرَ مَا فَعَلَ رَبُّكَ، أَوِ الَّذِي فَعَلَ رَبُّكَ، لِلدَّلَالَةِ عَلَى حَالَةٍ عَجِيبَةٍ يَسْتَحْضِرُهَا مَنْ يَعْلَمُ تَفْصِيلَ الْقِصَّةِ.
وَأُوثِرَ لَفْظُ فَعَلَ رَبُّكَ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَدْلُولَ هَذَا الْفِعْلِ يَعُمُّ أَعْمَالًا كَثِيرَةً لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا غَيْرُهُ.
وَجِيءَ فِي تَعْرِيفِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِوَصْفِ (رَبُّ) مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute