للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ تَزَلِ الرِّحْلَتَانِ مِنْ إِيلَافِ قُرَيْشٍ حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ.

وَالْمَعْرُوفُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الَّذِي سَنَّ الْإِيلَافَ هُوَ هَاشِمٌ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنِ الْهَرَوِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ الْإِيلَافِ هَاشِمٌ، وَإِخْوَتُهُ الثَّلَاثَةُ الْآخَرُونَ عَبْدُ شَمْسٍ، وَالْمُطَّلِبُ، وَنَوْفَل، وَأَن كَانَ وَاحِد مِنْهُمْ أَخَذَ حَبْلًا، أَيْ عَهْدًا مِنْ أَحَدِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ يَمُرُّونَ فِي تِجَارَتِهِمْ عَلَى بِلَادِهِمْ وَهُمْ مَلِكُ الشَّامِ، وَمَلِكُ الْحَبَشَةِ، وَمَلِكُ الْيَمَنِ، وَمَلِكُ فَارِسَ، فَأَخَذَ هَاشِمٌ هَذَا مِنْ مَلِكِ الشَّامِ وَهُوَ مِلْكُ الرُّومِ، وَأَخَذَ عَبْدُ شَمْسٍ مِنْ نَجَاشِيِّ الْحَبَشَةِ وَأَخَذَ الْمُطَّلِبُ مِنْ مَلِكِ الْيَمَنِ وَأَخَذَ نَوْفَلٌ مِنْ كِسْرَى مَلِكِ فَارِسَ، فَكَانُوا يَجْعَلُونَ جُعْلًا لِرُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ وَسَادَاتِ الْعَشَائِرِ يُسَمَّى الْإِيلَافَ أَيْضًا يُعْطُونَهُمْ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ وَيَحْمِلُونَ إِلَيْهِمْ مَتَاعًا وَيَسُوقُونَ إِلَيْهِمْ إِبِلًا مَعَ إبلهم ليكفوهم مؤونة الْأَسْفَارِ وهم يكفون قُرَيْش دَفْعَ الْأَعْدَاءِ فَاجْتَمَعَ لَهُمْ بِذَلِكَ أَمْنُ الطَّرِيقِ كُلِّهِ إِلَى الْيَمَنِ وَإِلَى الشَّامِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْمُجِيرِينَ.

وَقَدْ تَوَهَّمَ النَّقَّاشُ مِنْ هَذَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ رِحْلَةً فَزَعَمَ أَنَّ الرِّحَلَ

كَانَتْ أَرْبَعًا، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا قَوْلٌ مَرْدُودٌ، وَصَدَقَ ابْنُ عَطِيَّةَ، فَإِنَّ كَوْنَ أَصْحَابِ الْعُهَدِ الَّذِي كَانَ بِهِ الْإِيلَافُ أَرْبَعَةً لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الرِّحْلَاتُ أَرْبَعًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ الْإِخْوَةَ كَانُوا يَتَدَاوَلُونَ السَّفَرَ مَعَ الرِّحْلَاتِ عَلَى التَّنَاوُبِ لِأَنَّهُمُ الْمَعْرُوفُونَ عِنْدَ الْقَبَائِلِ الَّتِي تَمُرُّ عَلَيْهِمُ الْعِيرُ، أَوْ لِأَنَّهُمْ تَوَارَثُوا ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ هَاشِمٍ فَكَانَتْ تُضَافُ الْعِيرُ إِلَى أَحَدِهِمْ كَمَا أَضَافُوا الْعِيرَ الَّتِي تَعْرَّضَ الْمُسْلِمُونَ لَهَا يَوْمَ بَدْرٍ عِيرَ أَبِي سُفْيَانَ إِذْ هُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي بِمَكَّةَ.

وَمَعْنَى الْآيَةِ تَذْكِيرُ قُرَيْشٍ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ إِذْ يَسَّرَ لَهُمْ مَا لَمْ يَتَأَتَّ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ مِنَ الْأَمْنِ مِنْ عُدْوَانِ الْمُعْتَدِينَ وَغَارَاتِ الْمُغِيرِينِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا بِمَا يَسَّرَ لَهُمْ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَشِرْعَةِ الْحَجِّ وَأَنْ جَعَلَهُمْ عُمَّارَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَهَابَةً وَحُرْمَةً فِي نُفُوسِ الْعَرَبِ كُلِّهِمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَفِي غَيْرِهَا.

وَعِنْدَ الْقَبَائِلِ الَّتِي تُحَرِّمُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَالْقَبَائِلِ الَّتِي لَا تُحَرِّمُهَا مِثْلَ طَيِّءٍ وَقُضَاعَةَ وَخَثْعَمَ، فَتَيَسَّرَتْ لَهُمُ الْأَسْفَارُ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ جَنُوبِهَا إِلَى شَمَالِهَا، وَلَاذَ