ابْنُ عَرَفَةَ عَنْهُ فِي «تَفْسِيرِهِ» وَذَكَرَ الْفَخْرُ ذَلِكَ فِي «مَفَاتِيحِ الْغَيْبِ» وَلَا بُدَّ مِنَ الْمَزْجِ بَيْنَ كَلَامَيْهِ.
وَحَاصِلُهُمَا قَوْلُهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ لِلَّهِ تَعَالَى تَنْبِيهًا عَلَى ثَلَاثَةِ مَقَامَاتٍ.
الْأَوَّلُ: مَقَامُ السَّابِقَيْنِ الْمُقَرَّبِينَ النَّاظِرِينَ إِلَى حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ، فَلَا جَرَمَ مَا رَأَوْا مَوْجُودًا سِوَى اللَّهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ يَجِبُ وُجُودُهُ فَمَا سِوَى اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَعْدُومٌ، فَقَوْلُهُ: هُوَ إِشَارَةٌ مُطْلَقَةٌ. وَلَمَّا كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مُعَيَّنًا انْصَرَفَ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ إِلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ فَكَانَ قَوْلُهُ: هُوَ إِشَارَةً مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُقَرَّبِينَ إِلَى اللَّهِ فَلَمْ يَفْتَقِرُوا فِي تِلْكَ الْإِشَارَةِ إِلَى مُمَيِّزٍ فَكَانَتْ لَفْظَةُ هُوَ كَافِيَةً فِي حُصُولِ الْعِرْفَانِ التَّامِّ لِهَؤُلَاءِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: مَقَامُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ الْمُقْتَصِدِينَ فَهُمْ شَاهَدُوا الْحَقَّ مَوْجُودًا وَشَاهَدُوا الْمُمْكَنَاتِ مَوْجُودَةً فَحَصَلَتْ كَثْرَةٌ فِي الْمَوْجُودَاتِ فَلَمْ تَكُنْ لَفْظَةُ هُوَ تَامَّةَ الْإِفَادَةِ فِي
حَقِّهِمْ فَافْتَقَرُوا مَعَهَا إِلَى مُمَيِّزٍ فَقِيلَ لِأَجْلِهِمْ هُوَ اللَّهُ وَالْمَقَامُ الثَّالِثُ: مَقَامُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ وَهُمُ الَّذِينَ يجوزون تعدد الْإِلَه فَقُرِنَ لَفْظُ أَحَدٌ بِقَوْلِهِ: هُوَ اللَّهُ إِبْطَالًا لِمَقَالَتِهِمْ اهـ.
فَاسْمُهُ تَعَالَى الْعَلَمُ ابْتُدِئَ بِهِ قَبْلَ إِجْرَاءِ الْأَخْبَارِ عَلَيْهِ لِيُكَوَنَ ذَلِكَ طَرِيقَ اسْتِحْضَارِ صِفَاتِهِ كُلِّهَا عِنْدَ التَّخَاطُبِ بَيْنَ الْمُسلمين وَعند الْمُحَاجَّةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْمَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْعَرَبِ فَمُسَمَّاهُ لَا نِزَاعَ فِي وُجُودِهِ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَصِفُونَهُ بِصِفَاتٍ تَنَزَّهَ عَنْهَا.
أَمَّا أَحَدٌ فَاسْمٌ بِمَعْنَى (وَاحِدٍ) . وَأَصْلُ هَمْزَتِهِ الْوَاوُ، فَيُقَالُ: وَحَدٌ كَمَا يُقَالُ:
أَحَدٌ، قُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لِأَنَّهَا مَفْتُوحَةٌ (بِخِلَافِ قَلْبِ وَاوِ وُجُوهٍ) وَمَعْنَاهُ مُنْفَرِدٌ، قَالَ النَّابِغَةُ:
كَأَنَّ رَحْلِي وَقَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا ... بِذِي الْجَلِيلِ عَلَى مُسْتَأْنِسٍ وَحَدِ
أَيْ كَأَنِّي وَضَعْتُ الرِّجْلَ عَلَى ثَوْرِ وَحْشٍ أَحَسَّ بِإِنْسِيٍّ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ عَنْ قَطِيعِهِ.
وَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِثْلَ حَسَنٍ، يُقَالُ: وَحُدَ مِثْلَ كَرُمَ، وَوَحِدَ مِثْلَ فَرِحَ.