للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاخْتَلَفَتِ التَّأْوِيلَاتُ الَّتِي تَأَوَّلَ بِهَا أَصْحَابُ مَعَاني الْآثَار لهَذَا الحَدِيث ويجمعها أَرْبَعَة تَأْوِيلَاتٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ، أَيْ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآن إِذا قرىء بِدُونِهَا حَتَّى لَوْ كَرَّرَهَا الْقَارِئُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ.

الثَّانِي: أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ إِذَا قَرَأَهَا مَنْ لَا يُحْسِنُ غَيرهَا من سُورَة الْقُرْآنِ.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ مَعَانِي الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ أَجْنَاسِ الْمَعَانِي لِأَنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ أَحْكَامٌ وَأَخْبَارٌ وَتَوْحِيدٌ، وَقَدِ انْفَرَدَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِجَمْعِهَا أُصُولَ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهَا.

وَأَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَاتٍ مِثْلِهَا مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا تُوجَدُ سُورَةٌ

وَاحِدَةٌ جَامِعَةٌ لِمَا فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ.

التَّأْوِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي الثَّوَابِ مِثْلَ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ تَكْرِيرُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَةِ خَتْمَةٍ كَامِلَةٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي «الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ» (١) : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا يُسَاوِي فِي الْأَجْرِ مَنْ أَحْيَا بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ اهـ. فَيَكُونُ هَذَا التَّأْوِيلُ قَيْدًا لِلتَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّ فِي حِكَايَتِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ المُرَاد نظر، فَإِنَّ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَكْرِيرَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَعْدِلُ قِرَاءَةَ خَتْمَةٍ كَامِلَةٍ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاخْتِلَافُهُمْ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ لَا يَرْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَنِ الْحَدِيثِ الْإِشْكَالِ وَلَا يَتَخَلَّصُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اعْتِرَاضٌ.

وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ السُّكُوتُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْكَلَامِ فِيهَا.


(١) فِي سَماع ابْن الْقَاسِم عَن مَالك من كتاب الصَّلَاة الثَّانِي.